محمود عبد الوهاب كثيراً ما يحار القارئ ، حينما يعترضه في أثناء قراءته ، اسم لكاتب يجهله أو شاعر أو علم من أعلام الثقافة والفنون ، وهو في حاجة ظرفية إلى معلومة عنه ، استتماماً لمعرفة أو تطلعاً أو استبصاراَ . ما يفتقر إليه ذلك القارئ ، هو الدليل أو المرشد أو القاموس أو المعجم الذي يضمّ ، بإيجاز سيرة الأدباء والمبدعين في مجالات الثقافة والأنشطة الاجتماعية .
الدليل الثقافي ، هو نوع من التأليف يندر في مؤلفاتنا العربية المعاصرة – على مقدار علمي - ويُعنى الدليل ، في حقل الإبداع مثلاً ، بتراجم الأدباء وسيرهم، وبشيء من الإيجاز والاقتضاب حسب حروفهم الهجائية . وقد كان لهذا اللون من التأليف اهتمام خاص في كـــتب التراث العربي مثل كتاب " الأغاني " لأبي الفرج الأصفهاني ، وكتاب " الشعر والشعراء" لإبن قتيبة و"يتيمة الدهر" للثعالبي ، و قد اتخذت هذه الكتب ، في القرن السابع الهجري ، مساراً تخصصياً في كتابة السيَر والتراجم ، مثل كتاب " إرشاد الأريب " لياقوت الحموي الذي ألمّ بالأدب العـربي ورجاله، وكتاب " وفيات الأعيان " لإبن خلكان ، وكان معجم خليل الصفدي في التراجم " الوافي بالوفيات " مثالاً لما يتّسم به من الإحاطة والشمول في هذا الباب ، وقد بلغ هذا اللون من التأليف تحوّلاً قسّم فيه الرواة كلّ فن إلى طبقات ، من ذلك : طبقات العلماء والأدباء والفقهاء والمفسرين والنحاة والشعراء واللغويين والأطباء والظرفاء ، ما يدلّ على حرص أولئك المؤلفين على شمول حقول المعرفة في تعددها وتنوعها ، بسيَر أعلامها.ويعدّ الدليل بمنزلة موسوعة للمعلومات ترشد القرّاء إلى سيَر المؤلفين وعصورهم وإصداراتهم ، وتمنحهم فرصة التعرف إلى المؤلِف ومكانته بين أقرانه ، والإشارة إلى بعض خصائص أسلوبه ، وموقفه من الحركات الثقافية والإبداعية والمدارس الفنية والأدبية في عصره ، فالدليل بهذا يكون مرجعاً مهماً إلى الحقائق الأساسية والضرورية التي ينبغي للقارىء الاطلاع عليها والإحاطة بها تأريخاً وثقافة .وعلى ما أتذكر ، فقد كان اهتمام الدارسين وأصحاب دور النشر والمكتبات الكبيرة والغرف التجارية في بلدنا ، منتصف الثلاثينيات ، واضحاً في الإصدارات الشهرية والدورية التي تعدّ بمنزلة الدليل إلى الحياة الاقتصادية والتجارية والعمرانية والثقافية في ذلك الوقت ، وكان كتاب "المملكة العراقية" في تلك الحقبة ، دليلاً عاماً لما كان يتضمنه من معلومات عن كلّ مدينة ، والإشارة إلى منتجاتها وصناعاتها وأعلامها من المثقفين والأطباء والمحامين والتجار وأصحاب المهن ، وكذلك ما كانت تصدره مديرية البريد والبرق والهاتف ، في ذلك الوقت ، من دليل لهواتف كلّ مدينة ، وفي هذا السياق ، كان الكاتب محمود العبطة قد أصدر كرّاساً ، على محدوديته في المعلومات ، تناول فيه بعضاً من سيرة عدد من الأدباء العراقيين . لقد اهتمت الثقافات الأجنبية، لوعي كتّابها، بأهمية الدليل فأخذت بالتأليف المتواصل والمتجدد للأدلة، بحسب الحقبات الزمنية ، ما جعلها مرجعاً ثبتاً في الأدب العالمي ، ومدخلاً إلى الفن والفنانين ، وإلى السياسة والاجتماع والفلسفة وغيرها .إن السعي إلى تأليف مثل هذه الأدلّة ، والاهتمام بأعلام الثقافة عبر مجالاتها المتعددة ، أصبح ضرورة بعد التحولات الثقافية في هذا العصر ، بل أصبح من الضروري أن يكون إصدارها باللغات الأجنبية إلى جانب اللغة العربية ، لتعريفٍ أوسع بهؤلاء الأعلام ، وحتى لا تبقى تلك النشاطات وأصحابها في منطقة الجهل بهم .إنه لمن الصعوبة أن يعتمد إعداد مثل هذه الأدلة على جهد فرد وحده ، ما يتطلب جهد فريق متخصص ، وهذا ما يدعو المنظمات والاتحادات و الجامعات والوزارات ومراكز البحوث ، حسب اختصاصاتها ، إلى أن تنهض لدعم هذا المشروع الثقافي الوطني ، وإعداد أدلّة للثقافة العراقية، ونشرها على شبكة الانترنت العالمية ، لسد هذا الفراغ الحاصل في الجانب المعرفي والإبداعي ، وإضاءة هذه العتمة بالمعلومة في إطار سياقها الزمني.
اوراق: في الدليل الثقافي
نشر في: 6 إبريل, 2010: 05:17 م