TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الشيطان يكمن بالحب

الشيطان يكمن بالحب

نشر في: 7 نوفمبر, 2012: 08:00 م

يوم كنت يافعاً أهداني أبي خاتماً جميلاً، أحببته بشكل مفرط، حتى أنني لم أكن البسه خوفاً عليه، وعلى الرغم من حاجتي المستمرة للمال، وعلى الرغم من مراودة نفسي لي ببيعه، إلا أنه بقي محميّاً بمشاعري.. إلى أن جاء يوم كانت الحاجة فيه شريرة إلى درجة اضطرتني لبيعه.. فقبضت الثمن وأنا أشعر بأن خذلاني لأبي تلك الساعة كان باهظاً لدرجة وحشية.. بعد ذلك حاولت كثيراً شراء خاتم مشابه دون جدوى، ولم افهم إلى الآن عدم قدرتي على استبدال ذاك القديم بآخر يكون شبيهاً إلى درجة تطفئ شعوري بالخذلان؟ وفعلاً، لماذا لا يمكن لأحد منّا أن يعوض الأشياء "العزيزة عليه" بأخرى تكون شبيهة بها وبنفس قيمتها المادية؟ ستقولون: لأن للأشياء الأصلية قيمة خاصة، هناك عاطفة كبيرة تربطنا بها، وهذه العاطفة لا يمكن خداعها وتوجيهها نحو الأشياء البديلة مهما كانت مطابقة للأصلية..

حسنٌ، هذا ما أريد الحديث عنه اليوم، فالمشاعر صفة خاصَّة بالإنسان، إذ هو لا يدرك الأشياء فقط، بل يرتبط ببعضها عاطفياً، وبسبب هذا الارتباط، تتحول الحاجات العادية إلى أشياء لا تقدر بثمن، ومع أن القيمة المضافة هنا ليست حقيقية، بل ذاتية، إلا أن أثرها يكون بالغاً جداً. ولذلك، وبعد أن كان خاتم أبي لا يساوي إلا مبلغاً بسيطاً من المال، أصبحت مستعداً لارتكاب الحماقات من أجل استعادته من جديد.

شاهدت مرة فلماً يعالج هذا الموضوع بدقة، وفيه يقرر مصلح اجتماعي "متطرف" أن يُخَلِّص الناس من مشاعرهم، باعتبارها مصدراً لكل الشرور، فيعمل على توزيع عقار يجعلهم بلا مشاعر، وهكذا ينجح بتحويل الناس إلى دمى واعية، لكنها وديعة ومسالمة وتؤدي أدوارها بكل دقة وموضوعية، لأنها لا تمتلك مشاعر تبرر لها الشر.. فصحيح أن الإنسان يرتكب الأخطاء بسبب السلطة والمال والجنس وما إلى ذلك، لكن هذه الأشياء لا تكون غالية لدرجة تؤدي إلى الصراعات لولا المشاعر التي تربطنا بها عاطفياً، المال يخرج من كونه وسيلة إلى كونه غاية بسبب المشاعر، والمكانة الاجتماعية تتحول إلى سبب للقتال لأننا "نشعر" بالزهو عندما يخافنا الناس أو يحتفون بنا. ويكفي أن نتذكر هنا بأن كرسي الحكم، وبسبب من المشاعر والأحاسيس، لا يعود مجرد منصب إداري بالنسبة للجالسين عليه، بل مبرراً لشن الحروب والتسبب بالمذابح!!

كرسي الحكم وخاتم أبي مجرد حاجات، لكن المشاعر حولتهما إلى حاجات "مقدسة".

صراعنا على المال يحدث بسبب العاطفة التي تربطنا به، الكرامة عاطفة وتحدث بسببها الحروب، الحب عاطفة قد لا نكون بحاجة لها، فالحيوانات تؤسس عوائل مؤقتة، تؤدي الغرض منها ثم تنتهي، لأن ليس فيها مشاعر وأحاسيس.. الآن ما رأيكم أصدقائي، هل المشاعر والعواطف مصدر كل الشرور؟ هل نحن بحاجة لمصلح متطرف يبتكر لنا دواء يحولنا إلى آلات تدرك وتعمل وتبتكر وتفعل أي شيء، لكنها أبداً لا تتعاطف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. عبدالعزيز الونداوي

    وإنتهى الفلم بأن توقف أحد المسؤولين في النظام عن تناول الدواء فعادت إليه مشاعره فثار على النظام وأنهاه .. وعادت المشاعر للناس والمجتمع .. ولكن هل يمكن تربية المشاعر لتكون محكومة بثقافة وتربية وإلتزام ؟ ألا توجد في السويد مشاعر ؟ أو في أمريكا أو في الصين أ

  2. حسين خلف حمزة

    (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة من الذهب والفضة) الحب هو القائد الاعلى لكل الرغبات والنزوات التي تقف خلفه مثل عسكر مستعد ومتهيأ،اذا سبب الصراعات في هذا المنفى الانساني هو الحب واتفق معك لو ان هناك دواءا كما في فلم (الموازن)لي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

عندما يجفُّ دجلة!

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

كلاكيت: المدينة والسينما حين يصبح الإسفلت بطلًا

مأزق المكوَّن المسيحي في العراق: قراءة في محنة الوجود والذاكرة

العمود الثامن: جائزة الجوائز

 علي حسين منذ أن إطلقها الراحل سلطان بن علي العويس في نهاية عام 1987 ، حافظت "جائزة العويس" على التقدير والاحترام الذي كان يحظى به اسم مؤسسها الراحل ، والأثر الكبير الذي تركه...
علي حسين

كلاكيت: المدينة والسينما حين يصبح الإسفلت بطلًا

 علاء المفرجي – 2 – المكان في الافلام العربية كان له حضورا مكانيا ورمزيا واضحا، لكنه ايضا لم يكن هذا الحضور يتعلق بالمكان كجغرافية، أو ثقافة، او تأثير. فالقاهرة في أفلام يوسف شاهين...
علاء المفرجي

الأقليات وإعادة بناء الشرعية السياسية في العراق: من المحاصصة إلى العدالة التعددية

سعد سلّوم تُظهر القراءة في التحوّلات الأخيرة التي شهدها النظام الانتخابي بعد تعديل قانون الانتخابات عام 2023 أنّ العملية السياسية عادت إلى بنيتها التقليدية القائمة على ترسيخ القواعد الطائفية والمناطقية. وقد تكرّس هذا الاتجاه...
سعد سلّوم

عندما يجفُّ دجلة!

رشيد الخيون لو قُيِّضَ للأنهار كتابة يومياتها، لكان دجلة أكثرها أحداثاً، فكم حضارة، سادت ثم بادت، نشأت على شاطئيه، وغمرها ماؤه، مِن أول جريانه وحتَّى جفافه، هكذا تناقلت الأخبار، أنَّ المنبع حُجب بالسُّدود العملاقة...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram