كاظم الجماسيقبل ان تولد الكتابة والكتاب كان الانسان محض كائن من كائنات الطبيعة، يأكل ويشرب ويتناسل وينام، يمر النهارعليه والليل والشهور والاعوام بادءا على الدوام بجعبة خاوية من ايما خبرات من النقطة ذاتها، نقطة الصفر.
قبل ان تولد الكتابة والكتاب لم يكن من معرفة او وعي بالوجود عند الانسان، يهيم في انحاء الارض يلتقط غذاءه شأنه شأن الدواب من دون اية دراية ان كان يمضي شرقا ام شمالا او جنوبا ام غربا.نعم لزمن الانسان الشفاهي ذاكرة ولكنها ذاكرة المحو والنسيان، ليس من خطو الى الامام يمكن له تدعيم الثقة بالنفس عبر تدعيم الثقة بالمحيط، بل لنا ان نتخيل انسانا يمارس الحياة في فضاءات مكللة بظلام مطبق، فأي هلع ورعب يقتلعان الروح من الجذور. اسلافنا الشفاهيون بافتراض تمكنهم من ناصية لغة اصطلحوا عليها، وهي قطعا لغة جنينية، لم تتأسس لديهم عتبة ذاكرة بالمعنى الذي نقصده اليوم، الامر الذي يعني غياب اية نواة اجتماعية من مثل اسرة او قبيلة او اية جماعة ترتبط بأية رابطة سوى رابطة النوع ومن ثم رابطة الجنس.ولما حانت اللحظة الفاصلة في تأريخ الانسان، اللحظة التي منحت معنى حقيقياً واصيلاً لكلمة الانسان، اللحظة التي خطت فيها انامل اسلافنا اول حرف في منظومة الكتابة على جدار او لوح او آنية من فخار او جلد طريدة، لما حانت تلك اللحظة بدأ الماراثون البشري المتواصل للتاريخ منذ ما يقرب السبعة الاف سنة قبل الميلاد لتبنى لبنة فلبنة الذاكرة الانسانية العظيمة.
ذاكرة الإنسانية
نشر في: 7 إبريل, 2010: 07:24 م