TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > كيف جسَّد تشيخوف الألم في عنبر رقم 6؟

كيف جسَّد تشيخوف الألم في عنبر رقم 6؟

نشر في: 9 إبريل, 2010: 04:11 م

عبدالرزاق صالحأنطون تشيخوف من المبدعين القلة في كتابة فن الرواية القصيرة ومن الأوائل الذين كتبوا للمسرح الروسي وذلك في القرن التاسع عشر وقد نال شهرة كبيرة لصدقه الفني وإبداعه في مجالات مختلفة في حقل الأدب وتجسِّيده للواقع في تلك الفترة المضطربة في تاريخ روسيا القيصرية ،
 وكشفه عن المعاناة والألم من خلال أعماله الأدبية المختلفة وقد أستطاع أن يجد له صوتاً متميزاً على الرغم من وجود عمالقة الأدب وبخاصة في كتابة الرواية كدوستويفسكي وتولستوي وغيرهما من الأدباء والفنانين في تلك الفترة أو قبله بسنوات ، لكنه مع هذا أستطاع أن يجد طريقته المتميزة في كتاباته ، وبخاصة تكثيف الجملة وعدم الأطناب والسرد المجاني. والوصول الى المبتغي بطريقة سهلة ومختصرة ، كاشفاً عن المعنى وقول الحقيقة بصفحات قليلة يمكن أن تأخذ من كاتب غيره في ذلك الوقت الصفحات الطوال بجمل طويلة ورتيبة.لكنه بطريقته الاختزالية أستطاع أن يوظف الأحداث والوقائع الكبيرة بلغة وحوار مسرحيين بحيث تكون لغة السرد واضحة ومكثفة وخالية من البهرجة والمطولات الفلسفية ، لكنها في الوقت ذاته لغة فكر علمي وعملي ، لغة مكتنزة بمضامين وأفكار الواقع المعيشي بطريقة بسيطة وسهلة وواضحة، لأن ركيزة من ركائز الأدب الأولى هو الوضوح وتوصيل المفاهيم بأبسط طريقة وهذا مافعله الكاتب وأستطاع من خلال طريقته هذه والتداخل الفني بين الرواية والمسرح أن يخلق جواً جديداً لرواية القرن التاسع عشر من خلال توظيفه الحوار الذاتي لشخوصه على مستوى فكرة البناء المتماسك حتى الوصول للهدف المنشود وذروة الحدث التراجيدي كما حدث في روايته( عنبر رقم 6) ترجمة د. أبو بكر يوسف.عاش الدكتور أندريه يفيميتش ــ بطل الروايةــ (أكثر من عشرين سنة في مهنته ولم يعرف الألم ولم يرد أن يعرف هذا ، لم يكن يعرف ولا يتصور ماهو الألم)"1"، لكنه أصطدم به أخيراً ولمدة يوم واحد فقط، وأخذ يعاني من قسوة الألم ، ولم يتحمل ومات في صباح اليوم التالي ، بعد أن وضعوه في عنبر رقم 6 وهو عبارة عن ردهة في مستشفي المجانين ، كما يدعون، وهو طيلة تلك الفترة ( عشرين سنة) كان يعمل كدكتور في المستشفى نفسه، ويعالج المرضى الراقدين في ذلك العنبر، وبخاصة المريض إيفان دميتريتش ـــ صديق الدكتورــ الذي تحمل الألم والعذاب طوال تلك السنوات مع المرضى الراقدين في تلك الردهة، وكثيراً ما كان يتحدث مع بطل قصتنا (أندريه) ويتجادل معه في أمور كثيرة ، قبل أن يتهموا الأخير بالجنون.هذه الحبكة هي التي وظفها الكاتب وبمعقولية عالية كاشفاً زيف الإدعاء من قبل النفوس المرائية والغبية والبليدة التي تتحكم بمصائر الناس وبخاصة المثقفين والعلماء والمخلصين في العمل ، حتى يؤدون بهم الى الجنون ، كما حدث لبطل قصتنا( أندريه) ومريضه المثقف(إيفان) محضر محكمة سابق وسكرتير المحافظة.الدمار أو الموتإنَّ حكم الواقع صعب وعسير على النفوس الأبية والحساسة من قبل المنتفعين والفوضويين واللاأباليين وبخاصة في فترة روسيا القيصرية قبل الثورة .الشريحة المثقفة كانت تعاني من جنون الاضطهاد في تلك الفترة ،وهو مرض يقودها في الأخير الى الدمار أو الموت ، وقد جسَّد الكاتب ذلك في عمله هذا(عنبر رقم 6) ، إذ أن (إيفان دميتريتش) كان يعاني من هذا المرض وانعكس ذلك على تصرفاته التي قادته الى مستشفى المجاذيب . إنَّ التحليل النفسي للشخوص جاء من خلال واقع عملي وعلمي ، فالكاتب على تماس من هذه الحالات بحكم واقع عمله ومشاهداته اليومية لمثل تلك الحالات ، فجاء هذا العمل الأدبي مطابق لواقع حال تلك الشرائح الاجتماعية التي كانت تعيش في تلك المدن الروسية وبخاصة بطرسبرغ وموسكو ، أنها حالة التأزم الفكري والضياع والمعاناة في ظلِّ الحكم القيصري ، وبالفعل أستطاع الكاتب أن يجسِّد تلك المعاناة البشرية والألم الذي تعيشه تلك الشرائح.إنَّ الفوضى والبلبلة الفكرية تقود الإنسان المثقف الى الاغتراب ، حتى عن ذاته، وتؤدي به الى هلوسات وظنون غريبة عجيبة ، هكذا أستطاع الكاتب أن يكشف وبوقت مبكر عن المعاناة الحقيقية للمثقفين من خلال شخوصه في هذا العمل الأدبي الفريد ، وهذه واحدة من خصوصية الأدب بالإضافة الى الوضوح والمصداقية في طرح المفاهيم والرؤى من أجل الوصول الى الهدف المنشود، أن التوضيح ليس معناه البساطة الساذجة في الطرح ، ولكنه كالسهل الممتنع في طريقة الكتابة الأدبية ، ولكن بنبرة وتفرد بحيث نرى بصمات الكاتب واضحة وصوته متميزاً من خلال المعالجة الذاتية للحدث ، وهذا يقودنا الى ظاهرة الموضوعية في الحيز الثقافي السائد في القرن التاسع عشر، والحصيلة الفكرية لجماعات المفكرين والمثقفين في تلك الحقبة الزمنية، هكذا كان واقع الألم الإنساني الذي قام الكاتب بكشفه في(عنبر رقم 6) الذي يمثل صورة من صور البؤس في مستشفيات روسيا في تلك الحقبة الزمنية، ويعكس مدي ما وصلت الىه الطبيعة البشرية من خسة ودناءة وهي تضطهد أخوة لها في الإنسانية على مرأى ومسمع السلطات في المدينة.إنَّ المعالجة الذاتية وحدها لاتكفي ، لكن تحتاج الى جهد كبير من قبل جماعات مستعدة للتغيير ، وهذا ماحدث أخيراً في انتصار الثورة على قوى الشر في تلك الحقبة الزمنية . الكاتب كان

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram