اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > تشيخوف والرؤية الجديدة

تشيخوف والرؤية الجديدة

نشر في: 9 إبريل, 2010: 04:13 م

بقلم صالح عبد علو ان ما يزال الجدل والنقاش قائما حتى الان في اكثر المسارح عراقة عن كيفية تناول مسرح تشيخوف هل هو ماساة أم كوميديا ام هل هو الكوميديا المأساوية؟ وحتى عندما كان تشيخوف على قيد الحياة واخرج ستانسلافسكي (بستان الكرز) كتب الى تشيخوف
  يقول (هذه ليست كوميديا بل انها ماساة) في حين قال تشيخوف عنها انها كوميديا ففي انكلترا –باريس (بيتر ستين) وفي جنيف (مانفير كارل) وفي باريس (انطوان فيتز) وفي ايطاليا ، وكأنهم اتفقوا جميعا على معالجة مسرح تشيخوف برؤية عصرية جديدة سميت بعد ذلك بالرؤية المتعددة الجوانب، واكثر هؤلاء المخرجين تجربة ونضجا هو (بيتر بروك) الذي يدعونا للدخول الى بيت رانيفسكايا في مسرحية (بستان الكرز) بل وحتى المشاركة في الاحداث وكأننا في صميمها ولسنا متفرجين.  والغريب ان (بيتر بروك) لم يعرض المسرحية في مسرح بل في بيت يعود طرازه في البناء الى القرن التاسع عشر موغل في القدم وبال ولكنه ولفخامته يوحي بالعظمة والابهار في الوقت نفسه ثم اكمل هذا الاحساس بالديكور والذي هو عبارة عن نوع من السجاد زاهي اللون ولكنه قديم ومتآكل وبدلا من ان يرمم البيت جعل في جدرانه التقرب ولطخه بالوان سوداء وغامقة حتى يوحي بالتلف والتآكل وعندما ندخل نحن المشاهدين الى البيت –المسرح ينتابنا الاحساس بالنهاية أي نهاية كل ما هو موجود في هذا البيت لانه حول ملاحظة تشايكوف في اخر المسرحية (نسمع صوت معول بقطع الاشجار)، الى فعل في بداية المسرحية أي انهيار مجتمع رانيفسكا وانهيارها بسبب ضعفها الذي جعلها  تفقد بستانها الذي يبتاعه احد اقربائها انها صورة محزنة لانهيار اناس متحضرين تغلبت عليهم الروح التجارية، اعتمد بروك في عرضه على البساطة والايحاء الى درجة ان احد النقاد الكبار وهو (جورج بانو) الاستاذ في معهد الدراسات المسرحية في جامعة السوربون قال" لقد استطعت تأمل منظر سقوط المطر الخفيف من خلال شبابيك بيت رانيفسكايا) فالممثلون  يجلسون على الارض والجمهور من حولهم على شكل نصف دائرة لان البيت فيه فسحة كبيرة في الوسط ومكون من ثلاثة طوابق في كل طابق شرفة لجلوس المشاهدين وفي الوقت نفسه لحركة الممثلين فمثلا غرفة النوم في الطابق الثاني تجري فيها بعض المشاهد بالرغم من وجود الجمهور الذي يطل من الشبابيك وغالبا ما تجري مشاهد الخروج الى البستان من بين الجمهور الى درجة اننا نشاهد الممثلين بتحركون بكل انسيابية وكأنهم في بيوتهم من دون مبالغة او عناء والطريف في العرض ان بروك يلجأ الى المفاجأة في كل يوم عرض ففي اليوم الذي كنت اشاهد  فيه المسرحية كتب على باب المسرح العبارة التالية: نرجو عذركم  لان الممثل الفلاني اصيب في قدمه كنت متشوقا الى رؤية الممثل وهو يمشي بصورة غير طبيعية لكنني اندهشت حين شاهدته يمشي بشكل طبيعي بل واكثر حيوية  من بقية  ايام العرض انه يريد من هذه المفاجأة اخراج الجمهور من المألوف. و(بيتر بروك) شديد العناية باختيار افضل ترجمة للمسرحية لقد عمل مدة طويلة مع كبار المترجمين مثل (لوسيان لور) و(جان كلود كارير) ثم قارن بين الترجمتين الانكليزية والفرنسية فوجد ان الاول اختلق اسلوبا شعريا متينا ولكنه يفتقد الى الصور في ترجمة الثاني كانت هناك شفافية واضحة بل انه استطاع ان يصل الى ترجمة الايقاع والفعل الدرامي واستطاع ان يقترب باخلاص من النسخة الاصلية في اللغة الروسية وفي بعض الاحيان كان بروك يتدخل بمعالجة النصوص المترجمة حيث يقول (وحتى اذا كان العمل لايحمل ايقاعا عاما- بسبب الترجمة –نستطيع معالجته بواسطة الممثل الذي يكون حرا في ايجاد ايقاع مختلف لكل لحظة بحيث يستطيع ابراز الافعال المضحكة أو المبكية او الاثنين معا بل في بعض الاحيان عليه اكتشاف الحياة ما بين الافعال، ولكن هذا لا يعني ان كل ممثل يكون بهذه الحرية من التقلبات نقول عنه انه عميق وصادق ولكي يصل الى هذه الرؤية المتعددة الجوانب وبشكل مؤكد عليه تشييد البناء على شكل موزائيك متناغم مع كل لون وكتلة وكأنها فعل قائم بذاته حيث لاتوجد كلمة او عارض ما لم يكن له ايقاع خاص ومعنى) ولهذه الاسباب كان بروك يهاجم المخرجين في انكلترا حيث ان لهم نظرة احادية الجانب لتشيخوف فهو في رأيهم عبارة عن موسيقى حزينة وعاطفية. هذا جانب من رؤية بروك لتشيخوف والذي يكون عنصره الاساسي الممثل فالديكور والملابس والاكسسوار يدخل عليها تعديلات كبيرة حتى في ايام العرض لانه يعتقد بأنه في كل يوم من ايام العرض يكتشف عوامل مكملة لعرضه نتيجة استجابة الجمهور والممثل أي عملية الاخراج لديه تستمر حتى اخر ايام العرض قمثلا مسرحية (بستان الكرز) اخرجها ثلاث مرات في ثلاثة اعوام متعاقبة وفي كل مرة نراه متميزا عن سابقتها ، ويقول ان مسرحيات تشيخوف وشكسبير تتيح لي حرية كبيرة في التعبير عن رؤيتي في المسرح والسينما كما تتيح لي ايجاد علاقة بين الممثلين تطربهم وتحمسهم لتجسيد رؤيتي والتي احرص دائما على الا يكون المسرح في المسرحية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram