كوليت مرشليان"إيش ستيرب" جملة أخيرة لفظها الكاتب الروسي الكبير انطوان تشيخوف قبل ان يغمض عينيه عن العالم للمرة الأخيرة، وكان ذلك في العام 1904. ليست الجملة بالروسية انما بالالمانية تعلمها تشيخوف قبيل وصوله الى مدينة بادنويللر في محاولته الوحيدة للعلاج من مرض السل الذي كان يفتك بصدره منذ سن المراهقة،
وحين دخل الطبيب الى غرفته وقد استدعته الممرضة على وجه السرعة لعدم قدرة تشيخوف على التنفس، رفض هذا الأخير وضع الأوكسيحين على أنفه وطلب ان يشرب كأس شامبانيا اخيرا، واكتفى بكلمتين فقط ودع بهما هذا العالم الذي بخل عليه كثيراً منذ طفولته التي غابت عنها السعادة، فرحل عن 44 عاماً و6 مسرحيات و9 مشاهد مسرحية من فصل واحد وروايتين و240 قصة قصيرة. مات المسرحي والروائي والقاص تشيخوف عام 1904 ورثاه النقاد في روسيا والعالم كواحد من عظماء البلاد وايضاً رثى الفقراء والمحتاجون تشيخوف الطبيب الذي كان يعالج مرضاه مجاناً، ووضعه هؤلاء في خانة قديسي بلاده، واليوم، يحتفل العالم بمرور 150 سنة على ولادته انطون تشيخوف المولود في منطقة مرفأ تاغانروغ الصغيرة في روسيا من والدين اميين، عاش طفولة بائسة في طبقة اجتماعية وصفها فيما بعد في مؤلفاته، وكان قاسيا في تصويره لهذا المجتمع على انه يضم اناساً جشعين يسعون وراء المال ضاربين عرض الحائط بكل المقاييس والاعتبارات.وتعتبر اولى كتاباته بعنوان "فتافيت الخبز" أرسلها ضمن مراسلات خاصة أقامها مع شقيقه الكسندر حين بقي مع والده للعمل مع الدكان الصغير الذي تمتلكه العائلة وقد سافرت والدته مع اشقائه الى موسكو. هذه السنوات في ظل العمل الليلي في دكان الوالد جعلته يتأمل في الحياة ويراقب المارة ويستمع الى اخبارهم "محاولا ان ينتزع النعاس" من عينيه. عرف انطوان المراهق حياة صعبة في ظل والد عنيف يقسو عليه ويضربه. وسرعان ما انتهت هذه المرحلة بعد ان انتقل الى كلية الطب في موسكو عام 1879 بعد ان لاحظ الوالدين نبوغه وذكاءه الحادين. لكنه استمر في العمل لمساعدة العائلة بالكتابة تحت اسماء مستعارة في مجلات هزلية وساخرة، في سانت بترسبورغ. تخرج طبيباً من دون ان يعطي الموضوع اهمية قصوى وكأنه بالطب يؤمن مصاريف العائلة وبقيت اهتماماته الأدبية والمسرحية لها الأولوية في حياته. فكتب مع بداية تعاونه مع الكسي سوفورين في الصحيفة اليومية "الوقت الجديد" اولى قصصه القصيرة، فكانت البداية مع "الحزن" و"الساحرة".غير ان عمله المسرحي الأول "ايفانوف" لم يلق التجاوب الكبير من الصحافة، فغادر عام 1890 الى جزيرة ساخالين عن طريق سيبيريا حيث راح يعالج المرضى والمساجين الذين يعيشون ظروفاً قاسية، وهناك كتب "التراجيدي رغما عنه" و"عرس". سافر بعدها الى ايطاليا وفيينا وفرنسا وكانت أولى رحلاته الى خارج البلاد حيث كتب ونشر "المبارزة".عاش تشيخوف طوال حياته بائساً او متعاطفاً وبؤس الآخرين حين تحسنت احواله، فهو ما استطاع يوماً ان يبعد عن الطبقة الفقيرة التي عاش وسطها، وفي العام 1892، اشترى منزلاً ريفياً وحقلاً أخضر في "ميليخوفو" حيث راح يكتب من ناحية ويمارس مهنته كطبيب ويعالج الفلاحين الفقراء والبائسين من حوله مجاناً.وقد أكد تشيخوف أكثر من مرة لاصدقائه انها الحياة المثالية التي يمكن ان يعيشها على الأرض" اي بالكتابة وبمساعدة الآخرين. كانت روسيا في تلك المرحلة في حال من الفقر وقد ضربت المجاعة الأرياف الروسية والمناطق النائية. في كل هذا، كان تشيخوف ايضاً يعيش المرض، فقد كانت اصابته بالسل قد تفاقمت، لكنه تعاطى مع جسده المريض والهزيل على انه قرره واستمر في الكتابة. عام 1895، التقى ليون تولستوي الذي كان يومها نجم البلاد وأديبها المكرس. في تلك المرحلة كتب "سخالين" و"النورس" و"منزل مزانين"، ورواية "الفلاحون". كما اصدر "رجل في جعبة مخزن" و"لوفيتش".. غير ان بعض الأعمال له كان لها وقعها فرسمت عالمه: "السيدة والكلب الصغير"، وأيضاً مسرحية "العم فانيا" وبعدها مسرحية "الشقيقات الثلاث"، و"بستان الكرز".. هذه الأعمال في المسرح أو في القصة القصيرة ستجعل تشيخوف يكسر القاعدة ويتخطى المفهوم الروسي لنجومية الكتاب. فحين كانت الرواية هي سيدة الموقف وروادها مثل تولستوي في الأربعة الأولى من المكرسين، دفع تشيخوف بالقصة القصيرة الى مكان رفيع المستوى وجعل العالم بأسره يتفاعل مع قصصه وشخصياته. وقد تمسك تشيخوف بالبساطة والصدق في أسلوبه القصصي وفي شخصياته وهو كان يعترف ويقول بأنه اراد دائماً ان يصور الحياة اليومية التافهة علً القارئ يدرك معه حقيقة اقترابه من الهاوية بسبب حياته "المغفلة". وهو كتب في مذكراته: :كان هدفي دوماً من الكتابة ان اقول للناس بأن يتأملوا ملياً في حياتهم التافهة والمملة وحينما يدركون حقيقة الأمر سيحاولون خلق حياة جديدة وافضل لهم، اذ يرتقي الانسان حين يلمس بيده حقيقة الحياة التافهة التي يعيشها..".وفي أعمال المسرحية، لم
انطوان تشيخوف :دونكيشوت العزلة الإنسانية اللامتناهية
نشر في: 9 إبريل, 2010: 04:14 م