TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > انطون تشيخوف: لم امتلك طفولة

انطون تشيخوف: لم امتلك طفولة

نشر في: 9 إبريل, 2010: 04:16 م

اسهم المرض الى حد كبير في تشكيل تلك النظرة السوداوية التي لم يستطع الفكاك منها برغم انها لم تؤثر بحدة على عواطفه ورقته.. وهو خلافا للكثير من العظام كان يتمتع بشخصية ساحرة عطوفه متواضعة والصفة الاخيرة هي السبب وراء عزوفه عن اظهار اهميته
او التباهي بمكانته اذ لم يكن هناك قط من هو اقل كرها للعب دور الرجل العظيم والتي اسهمت ايضا في ايثاره استخدام التكنيك الادبي الذي يسمح للقارئ باستنتاج ما يريد واصراره على ان عمله كمؤلف ينحصر في "عرض المشاكل وليس حلها"*كان والد "انطون بافلوفيتش تشيخوف بقالا خائبا في تاجانروغ وهو ميناء يقع على بحر ازوف، في الجزء الجنوبي من روسيا فقد في منتصف القرن التاسع عشر كل مظهر للرفاهية والانتعاش يمكن ان يكون قد تمتع به من قبل على انه كان طاغية في بيته، حيث دأب على ضرب اطفاله  يوميا بلا مسوغ برغم تمسكه بمظاهر الدين، اذ كان يقضي جل وقته في الصلاة والقاء المواعظ.. وحالما يشتد عود اطفاله الصبية لا يتوانى عن تشغيلهم في دكانه الصغير البارد وفي ايام الاحاد كان يجبرهم على الوقوف لساعات في الكنيسة.. وبعد اعوام كتب"انطون":"عندما كنت طفلا لم امتلك طفولة، وبرغم ذلك لم يكن الاب ليفتقر للنبضات الرقيقة او القدرات، (فقد علم تفسه العزف على الكمان مثلا) حتى ان ابنه الشهير تمكن من التفكير فيه فيما بعد بقدر ضئيل من الكراهية على نحو يثير الاستغراب ملكة السخرية كانت التعويض والمصدر المخفف من قسوة التجربة المريرة، ونبع الاتزان الواضح في عمله، طبيبا او مؤلفا، وقد تواءم الطب مع مزاجه العاطفي واحتياجه لمهنة تدر عليه ما يعيل به العائلة بعد افلاس والده وتحوله الى الخمر، ولم يتخل "تشيخوف" قط عن هذه المسؤولية بل صارت احد اسباب ارجائه تأسيس عائلته الخاصة.. والسبب المنطقي الاخر هو ميله الشديد للكتابة..وحول هذه النقطة يذكر مؤلف السيرة الجديدة التي تحمل اسم "تشيخوف" عنوانا لها، "هذي ترويا" من تكون المرأة بالنسبة له، بغض النظر عن مدى تعلقه بها، عندما يشكل القلم والورقة محور حياته"؟. والسيدة هذه تشبه الى حد كبير مسرحية بقلم"تشيخوف" فالجو العام هو الجو الريفي الروسي والشخوص خليط مذهل من الحالمين والمفركين الضجرين.. والاجواء طنانة متخمة بعواطف مكبوتة وطوفان عارم من التعاطف وحفلات الشاي، وخلافا لحيوات واعمال بوشيكين وغوغول وتولستوي وديستوفسكي التي سبق للمؤلف وان عالجها سابقاً فأن تشيخوف ينتمي للقرن العشرين، عصر الاصطراع الروحي والريبة السوداوية اذ طغت تلك النبضات على مئات من قصصه ومسرحياته التي تعد قمما لروعتها (النورس والخال فانيا والشقيقات الثلاث وبستان الكرز) وعلى وجه الخصوص رسائله: كتب الى زوجته في عام 1904 قبيل وفاته  بسبب مرض التدرن الرئوي، تسألينني ماهي الحياة...انه سؤال يشبه سؤال ماهي الجزرة؟.. الجزرة هي الجزرة وليس هناك من مزيد لمعرفته". ثمة تردد واضح لدى تشيخوف في لعب دور الحكيم الروسي او الصوفي السلافي بعد ان احتكر كل من تولستوي وديستوفسكي ذلك الدور، علاوة على الاهانة التي استشعرها جراء تصريحات اولئك الذين ترفعوا عن خوض المعركة فقد قال مرة (ومؤلف الحرب والسلام، حاضر في ذهنه): كان للعقلاء العظام استبداديون يفتقرون للكياسة والحس المرهف مثل الجنرالات لانهم من حصانتهم" ..لذا راح يمجد "الفلاح الروسي المقدس".. كتب "موزارت" مرة يقول انه يؤلف الموسيقى بيسر كما تتبول البقرة، "تشيخوف" كان اكثر لطفا في وصف سهولة انسياب ابداعه اذ قال: "اكتب بصفاء وهدوء وكأني التهم البليني (ضرب من السمك"...وفي مكان آخر ذكر مسجل السيرة ان موضوعه التقط مرة منفضة سجائر واعلن استعداده لتسليم قصة تدور حولها في اليوم التالي.عندما تخترق الاخوات "اولغا" و"ماشيا" و"ايرينا" (في الشقيقات الثلاث) شوقا لموسكو لم تكن تأوهاتهن سوى صدى للشاب، "تشيخوف" الذي سحرته المدينة بجبروتها بينما هو يدرس الطب في مدرستها حيث لا احد من رفاقه قد خطر في ذهنه ان يربط بينه وبين" انتوشا تشيكونت، وهو الاسم المستعار الذي استخدمه عند كتابته قصصا هزلية...ولم يكتشف احد الامر حتى عام 1887 عند عرض مسرحيته، ايفانون ، والتي انبرى النقاد لتوجيه النقد اللاذع لها فقد كتب عنها احدهم: "قطعة تفاهة تطفح بالثرثرة الوقحة واللااخلاقية والبشاعة"...ولكن ما لبث  النقد ان تغير في عام 1888 عندما نشر قصة السهب، ووضعه النقاد في مصاف "تولستوي" و"غوغول" وراحوا يعقدون المقارنات بينه وبين اولئك الروائيين العظام. على ان الشهرة قد تستهوي النقاد ولكن ليس تشيخوف الذي لم يصبح يوما اسيرها فقد كتب"الناس الذين اخشى هم اولئك المنقبين بين السطور عن النزعات السياسية والفكرية...لست ليبراليا ولا محافظا او مصلحا او راهبا او حياديا.. ارغب ان اكون فنانا حرا ولاشيء سوى ذلك..واني اسف لان الله لم يمنحني القوة لا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram