TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > مائة وخمسون عاما على ميلاده..تشيخوف الطيب الذي ادخل الدفء الى القلوب!

مائة وخمسون عاما على ميلاده..تشيخوف الطيب الذي ادخل الدفء الى القلوب!

نشر في: 9 إبريل, 2010: 04:17 م

د.جليل العطية زائر قبر تولستوي لايسعه الا ان يفكر في احترامه، فلقد اوصى مبدع – الحرب والسلم – الا يضعوا على قبره تمثالا او شاهدا يحمل اسمه ، اما انطون تشيخوف (1860- 1904) فقد كان اكثر تواضعا، فلم ترد هذه الفكرة في ذهنه، ذلك لان التواضع كان نابعا من اعماقه، فهو لم يشعر بانه استاذ أو رائد.. بل انه لم يعرف ماذا يعني الاحساس بالتفوق،
 عرف تشيخوف الشهرة وهو في قيد الحياة، وتقول احصاءات حديثة انه تم طبع نحو سبعين مليون نسخة من نتاجاته في الاتحاد السوفيتي فقط.  ولا تزال مسرحيات تشيخوف تعرض حتى اليوم في مسارح موسكو وباريس ولندن ونيويوك ، وتزدحم رفوف المكتبات باثاره بلغات عدة، لقد طاف هذا النورس كل بحار الدنيا ومحيطاتها ، تشيخوف الطيب، هز العالم بكتاباته التي اسماها (صغيرة) وادخل الدفء الى قلوب الملايين من قرائه، فما هو حيويته وحداثته وقربه من الناس، برغم اختلافهم في الافكار والاحاسيس وظروف الحياة؟ السر انه صور عالمه الذي رآه بشكل مدهش، هذا العالم قد لايبدو لنا الان جذابا او بطوليا، ولكن الناس الذين صورهم ، ما زالوا قريبين منا، ومفهومين..كيف تم ذلك؟ العبقرية ربما! كان تشيخوف مرتبطا بعصره حتى النخاع، فقد كان ضد الافتعال وبقي على ارضه حتى في حلمه، وصور معاصريه بصدق، كاشفا فيهم تلك الاشياء التي نفهما نحن ايضاً. لم يكتب تشيخوف مقالات في الفن ونادرا ما كان يتكلم عن نتاجه الفني. لقد كان يعرف كيف يكتب، ولكنه لم يقدم نظريته في علم الكتابة واشار الى ذلك في احدى رسائله، عندما يكلمونني عن الروح الفنية واللافنية، عن النزعات والاتجاهات والواقعية وما شاكل ذلك، فاني ارتبك واتخبط وتكون اجاباتي تافهة لا تستحق حتى قرشا نحاسيا، اني اقسم كل النتاجات الى قسمين، هذه التي تعجبني وتلك التي لا تعجبني ولا يوجد عندي مقياس اخر، اما اذا سألوني لماذا يعجبك شكسبير ولايعجبك زلوترافرانسكي فاني لن استطيع الاجابة، ربما وبمرور الوقت ساصبح اكثر واكتسب خبرة، وعندئذ ساستطيع الاجابة، اما الان فان كل هذه الاحاديث تتعبني، وتبدو لي استمرار لتلك النقاشات التي شغل الناس بها انفسهم في القرون الوسطى. كان تشيخوف يرسم ابطاله كلهم من الداخل الطيبين والاشرار، الاذكياء والاغبياء، المهمين والثانويين، وبعض الاحيان كان الابطال يتحدثون هم انفسهم (حكاية مملة، البيت ذو الجناح العلوي، قصة انسان مجهول..الخ) وبعض النتاجات الاخرى. ويمنح هذا الاسلوب صدقا اكبر لافكار واحاسيس تلك الشخصيات، وهناك مجموعة من الابطال الذين يكتشفهم القارئ عبر عيون الاخرين ولكن حتى هؤلاء الذين يصفون انفسهم بانفسهم كما في (حكاية مملة) او (قصة انسان مجهول) حتى هؤلاء سيطروا على قلوب القراء..في قصة (كان روتشيلد) تمرض زوجة الحانوتي ياكوف . فيقيس جسدها ليعمل التابوت، وبعد وفاة الزوجة يجلس ياكوف  عند النهر متألماً ، لقد كان في حيرة من امره، اذ كيف حدث هذا بحيث انه خلال اربعين او خمسين عاما، من عمره لم يذهب الى النهرن ولا لمرة واحدة وحتى لو انه فعل ذلك، فان النهر لم يسترع انتباهه، انه نهر كبير.. ويمكن حتى اصطياد الاسماك فيه، ثم بيعها للتجار والموظفين واصحاب المطاعم في محطات القطار، ووضع النقود في البنك، لماذا كان ياكوف  يتخاصم مع الاخرين ويشتمهم طوال حياته، ويلوح بيديه مهددا ، ويهين زوجته؟ لماذا يعرقل الناس هكذا بعضهم بعضا في الحياة ؟اية خسائر من جراء هذا؟ خسائر مخيفة! ان اعمال ياكوف ليست انسانية ، ولكن يوجد في اعماقه برغم هذا انسان حي انه يعزف على الكمان بحزن لدرجة يبكي فيها حتى ذلك الانسان الذي كان مستاء منه لكن توجد هنا كلمة "خسائر" هذه الكلمة ترسم للقارئ اطارا واقعيا لنفسية ياكوف ومعاناته ، وهذا الاطار يهز القارئ. يعتبر النقاد ربيع 1886 نقطة الانطلاق لابداع تشيخوف ففي هذا الوقت تسلم رسالة غير متوقعة من (غريغورفيتش –الكاتب المعروف –يشجع فيها الكاتب الشاب، بعد هذه الرسالة تحول انتشا شيخوخيته – من الكتابة في الصحف الهزلية المختلفة الى الكتاب انطون تشيخوف، غير انه وفي هذه السنة بالذات كتب قصته القصيرة الرائعة (كابة) وخلاصتها ان الحوذي ايون، مات ابنه، وحاول ان يجد من يخفف عنه حزنه من راكبي عربته غير ان احدا لم يقبل ان يستمع الى الحوذي –واخيرا توجه الى حصان عربته يروي له حزناً ، كيف استطاع تشيخوف ان يتقمص شخصية ايون العجوز، لقد احب تشيخوف ابطاله حتى الجنون، كان يردد باستمرار انتفعوا بالحياة فهي قصيرة جدا، انها دعوة تظل قائمة، ويقول لنا تشيخوف: كافحوا الرتابة ، قاوموا الحياة المملة والروتينية، والا حل اليوم المحتوم الذي تسمع فيه وقع الفؤوس في بستان كرزك، اليوم الذي يتوجب عليك فيه ان تدفع ثمن ضعفك وتهاونك. يقول ايليا اهرنبورغ: كل ابطال تشيخوف بشكل عام هم ليسوا نسخة معكوسة لاناس موجودين فعلا في الواقع. وانما هم مزيج من المعاناة الذاتية والتجربة والخيال الخصب، ومن الممكن ايجاد ارتباط مباشر بين تشيخوف وكثير من ابطاله، ان الفنانيين لايشبهون بعضهم بعضا، انهم مختلفون بشكل، ولكن من الصعب ان نتصور نتاجا فنيا لم يضع فيه الفنان جزءا من حياته او احاسيسه يؤكد بعض النقاد بأن تعبير تشيخ

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram