عامر القيسي تأريخ يبدو ملتبسا في توصيفاته السياسية عندنا ، وربما يكون التأريخ الوحيد في العالم الذي له توصيفان، علني وسري. التاسع من نيسان 2003 ، لكي لانزيد الالتباس، هو احتلال عند البعض، وهو تحرير عن البعض الآخر، وهو غضب أسود عند شريحة ثالثة.
لكن الحقيقة التي لاتختلف عليها كل هذه التوصيفات، هو ان التاسع من نيسان 2003 هو تأريخ سقوط الدكتاتورية الصدامية ، وانهيار دولة الورق وجمهورية الرعب التي ما زال البعض يتغنى بها!وهو يوم الحلم الذي تمنته الغالبية العظمى من العراقيين، بما في ذلك احلام اليقظة.لو جرى التغيير بأيدٍ عراقية لكان للتاسع من نيسان شأن آخر، ولانطلقت العملية السياسية الى فضاءات اخرى، لاتتأثر بالعوامل الاقليمية والدولية الى الحدود التي نراها الآن ، لكن هذه الـ "لو" كما يتندر عليها الناس البسطاء زرعوها ذات مرّة وما خضّرت وبالتالي فإن عاملا فوق الـ"لو" كان له الدور الابرز في تحوّل التاسع من نيسان. وتجربتنا ليست الوحيدة ، فاوروبا "الشرقية سابقا" اسقطت انظمتها وحررتها من الفاشية قوى خارجية ، مثل الجيش الاحمرالسوفييتي وقوات التحالف التي كان للانكليز والاميركان الدور القيادي فيها. وتخلصت تلك البلدان من دكتاتورياتها ، هتلر في ألمانيا مثلا، وان لم تكن بعض الانظمة دكتاتورية بالمعنى المعاصر للمفردة ، فانها انظمة غير مرغوب بها من قبل شعوبها. وما كان للعامل الخارجي ان يكون حاسما دون دور مهم ومؤثر للعامل الداخلي المتمثل في قوات الانصار التي كانت تستنزف قوى تلك الانظمة ما سهل عملية التغيير فيها مع الاعلان عن انتهاء الحرب الكونية الثانية . وفي العراق لو لم يكن نظام صدام فاقداً شرعيته ومرهقا " بضم الميم " من انشغال اجهزته بملاحقة المعارضة الشعبية التي كانت تتنامى وتتسع ، والدليل ارقام الاعدامات وأعداد المعتقلين السياسيين المتوفرة عند معظم منظمات المجتمع المدني المختصة، ولو لم يكن الجو الشعبي العام مهيئا لقبول التغيير، لما حصل الذي حصل في التاسع من نيسان 2003، حتى لو تيسر تحشيد اضعاف القوات العسكرية الدولية التي شاركت بإسقاط الطاغية. اخطاء الاميركان والمعارضة العراقية اختطفت الكثير من بريق التاسع من نيسان، وحولته من يوم واضح المعالم الى يوم ملتبس الاهداف والغايات، وتحول التأييد الشعبي له الى موقف يتسم بالشك والريبة، واعادت بعض قوى المعارضة حساباتها، وان بقيت في نفس دائرة اهداف ومعطيات التغيير. فقد تصاعدت وتائر العنف الى درجة الوصول الى تخوم الحرب الاهلية، وانكشفت، بلا رتوش، خدمات الدولة، عجز في الطاقة والخدمات الصحية والتربوية والبيئية..الخ، حتى وصل الامر لدى بعض البسطاء الى المقارنة بين ما كان وما هو كائن ، وهو تحوّل خطير في المزاج الجماهيري لم تنتبه له القوى السياسية المتصدية للعملية السياسية ، او انها لم تكن مكترثة به اصلا !!وفي كل الاحوال والاخطاء، أرسل الجمهور العراقي اكثر من رسالة واضحة من انه مع التغيير ، والدليل مشاركته الواسعة في الانتخابات المتعددة ومساهمته الفاعلة ايضا في بناء الدولة والدفاع عن تجربته الديمقراطية . الاميركان سيرحلون غدا أو بعد غد ..لكن الكرة الآن في ملعب القيادات السياسية بعد ان حصلت على كل شيء من الناس والاميركان معا!!
كتابة على الحيطان :التاسع من نيسان
نشر في: 9 إبريل, 2010: 07:30 م