كاظم الواسطيشهدت بغداد خلال الأيام الأخيرة الماضية سلسلة من العمليات الإرهابية، النوعية في طريقة اختيار الأهداف، ونوع الأضرار التي الحقتها بحياة وممتلكات المواطنين. العملية الأولى استهدفت قرية (البو صيفي) التابعة لقضاء المحمودية،
حيث تميّزت بطابعها الوحشي في قتل أربعة وعشرين مواطناً من أبناء هذه القرية النائية، وهي من القرى التي رفضت التعاون مع الإرهابيين، بحسب المعلومات المتداولة، وتم اختيار هذا الهدف وفق حسابات خبيثة ومتعددة الأهداف تقول: مهما فعل أبناء الطائفة (......)، ومهما كان مستوى تعاونهم مع الأجهزة الأمنية، فأنهم سيُقتلون بيد عناصر هذه الأجهزة، وبالشكل الوحشي الذي أظهرته جريمة الإرهابيين في تلك الليلة السوداء، وقد تم الترويج، بشكل متزامن مع الجريمة، على أن القتلة كانوا يرتدون زي الأجهزة الأمنية، وأن عجلات عسكرية كانت تقلهم إلى القرية.وفي مثل هذه العملية يحاول الإرهابيون تحقيق عدة أهداف في آن واحد: تنفيذ أقصى وأقسى العقوبات بحق الذين يرفضون الإذعان لأجنداتهم الإرهابية، جعل الضحايا عبرة للآخرين لكي يمتنعوا عن التعاون مع مؤسسات الدولة، خلق رد فعل انفعالي معاكس لدى أبناء طائفة الضحايا يمهّد لتأجيج العنف الطائفي – وهو الورقة التي راهن ومازال يراهن عليها الإرهاب بالرغم من الموقف الشعبي الرافض لها -، ومحاولة التأثير على أجواء الحوار بين الكتل السياسية لتشكيل مجلس النواب والحكومة القادمين.والعملية الثانية كانت استهداف مواقع بعض السفارات الأجنبية والعربية لتمرير رسالة مفادها أن الأوضاع الأمنية في العراق لا تسمح بفتح سفارات للدول، وإقامة علاقات دبلوماسية طبيعية معه، بهدف إرباك العلاقات بين العراق ومحيطه الإقليمي والدولي.أما العملية الثالثة فهي قيام الإرهابيين بتفخيخ عدد من بنايات المواطنين في مناطق متفرقة من بغداد، وتفجيرها على رؤوس ساكنيها من المواطنين الأبرياء.وفي هذه العملية رسالة موجهة إلى المواطنين تحاول إظهار عدم قدرة الأجهزة الأمنية والحكومية المختلفة على حماية أرواحهم وممتلكاتهم من القوى المعادية للعملية السياسية، وتصوير هذه القوى بإمكانات شبحية تطول أي شيءٍ في أي مكان، ما يخلق نوعا من الشك لدى المواطن بقدرة هذه الأجهزة، ومحاولة إضعاف علاقة التعاون بينه وبينها، من هذه التضمينات الخبيثة التي يحاول الإرهابيون بثها من خلال عملياتهم الإجرامية، قبل اتفاق الكتل السياسية على صيغ للاتفاق على شكل البرلمان، وطبيعة الحكومة القادمين، يتطلب الأمر حذراً وانتباها شديدين للتعامل معها من قبل السياسيين، وتجسيد ذلك بمواقف ايجابية تطمئن المواطن، وترفع من معنوياته في مواجهة ما تحاول قوى الإرهاب إشاعته من تداعيات سياسية واجتماعية، وهذا ما لا نراه لحد الآن في تصريحات، وتعليقات بعض السياسيين على هذه العمليات، حيث تبادل الاتهامات، وإلقاء اللوم والمسؤولية على هذا الطرف أو ذاك، وتغييب المسؤولية المشتركة على ما يحدث من انتكاسات سياسية وأمنية ظل المواطن يدفع حياته ثمناً لها، والأمر الذي يشكّل إرباكاً وضبابية في ذهن المواطن، ويساهم في خلط الأوراق الذي تعمل على إشاعته القوى الإرهابية نفسها، هو ظهور أحد السياسيين ليعلن من شاشة إحدى الفضائيات بأنه متأكد بأن الأجهزة الأمنية التابعة لجهات في الحكومة هي من نفذ عملية قتل المواطنين في قرية (البو صيفي)! ويضمّن حديثه الشك ذاته في العمليات الأخرى! ولا أدري كيف يسمح سياسي، من مؤسسات الدولة، لنفسه بتبني موقفٍ كهذا مبني على الاتهام والحكم المسبق قبل أن تظهر نتائج التحقيق الخاصة بالعملية! وما الذي يعكسه مثل هذا التصريح على موقف المواطن وتفاعله مع الأحداث؟ البلاد تعيش مرحلة حرجة من مراحل انتقالها السياسي ما بعد الانتخابات، والمواطن يعيش في حالة من الترّقب والقلق عما ستسفر عنه حوارات الكتل الفائزة بصوته وبدمه.فليكن الجميع، بمستوى المسؤولية الأخلاقية والوطنية الحقة لحماية البلاد والعباد من الرسائل الخبيثة التي تخلط الأوراق.. وتُضعف الاتفاق.
وقفة :رســائل خبيثــة
نشر في: 10 إبريل, 2010: 04:15 م