ترجمة :عدوية الهلاليفي فيلم سوفيتي قديم يحمل عنوان " الحادي والاربعين " والمستوحى من رواية بالاسم نفسه لبوريس لافرنييف ، هناك مشهد يثير التساؤلات ، فالفيلم يروي قصة جندية شابة وشجاعة من الجيش الاحمر تمكنت من أسر عدو من الحرس الابيض وكان ضابطا شابا وفاتنا ..
يمكث الاثنان في كوخ صغير في ارض جرداء بانتظار عودة المجموعة التي تنتمي اليها السيدة الشابة ...rnفي ذلك المكان المنعزل ، تقع الجندية الشابة الطيبة في حب الضابط المتعجرف ..وفجأة ينفد ورق السكائر الخاص بالضابط فتحاول مساعدته باعطائه بسخاء اثمن شيء تملكه في تلك البقعة الجرداء وهو مفكرة صغيرة تدون فيها ابياتا شعرية تقوم بتاليفها ..يأخذ الضابط الابيض المفكرة ويلف التبغ في عصارة ابداع الجندية بوقاحة غريبة لتخرج ابياتها الشعرية بهيئة دخان وحتى آخر سطر في المفكرة !!كان المشهد مؤثرا بالنسبة للكاتبة الصربية التي تعيش في المنفى (دوبرافكا اوغريسيك ) مادفعها الى تاليف رواية تتناول موضوع تاريخ الادب النسائي وعلاقة قرائحهن ونتاجاتهن الابداعية بالرجال اذ ترى اوغريسيك ان الرجال وعلى مرالتاريخ ،حاولوا تحويل طموحات وابداعات الكاتبات الى رماد يشبه بقايا سكائر الضابط الاحمر، بينما ضحت الكثير من النساء المبدعات بأنفسهن من اجل ابداعهن وحاولن دائما المحافظة على ادب الرجال من ازواجهن وعشاقهن ، كما فعلت نادجا مانيلستام على سبيل المثال والتي حفظت عن ظهر قلب ابيات زوجها الشعرية فانقذت ابداعه نكاية بنظام ستالين الذي قضى على زوجها وابداعه ..يمكن ان نتذكر ايضا الكثير من الزوجات والحبيبات والصديقات والعاشقات والمترجمات والمرافقات ونصيرات الادب والناسخات والضاربات على الالة الكاتبة والناشرات والوسيطات والملهمات وربات الفن والمتحمسات والشريكات والطباخات ومختلف النساء اللواتي يتكفلن بملء غلايين الكتاب وتنظيف منازلهم فضلا عن امينات المكتبات والقارئات المولعات بابداع الكتاب والخادمات المثابرات على ازالة الغبار المتراكم على كتبهم ..لنتذكر كل تلك النساء كما تقول اوغريسيك لأن النساء يعملن دائما على صيانة الاثار الأدبية بينما يعمل الرجال على اضاعتها كما فعل من قبل دكتاتوريون وشخصيات مهمة في مجال الصناعة والاموال وقادة واباطرة ونقاد ومجانين لحقدهم على الكتابة !!وتؤكد الكاتبة ان منح الجندية قصائدها للضابط ليحرقها بدخان سجائره لايعني شيء مقابل كل الكتب التي احرقت في عهد الأمبراطور الصيني شانغ هوان تي ، كما ان اقدام امراة على لف قالب كيك بورقة كتبت عليها قصيدة مثل لا يضاهي ابدا اطنان المخطوطات التي اتلفها رجال السياسة ، ومحاولة امرأة إشعال المدفأة بورقة مقتطعة من كتاب او مسح زجاج نافذة لايمكن مقارنته دون شك بآلاف الكتب التي القيت في المحارق على مر الزمان او برماد مكتبة سراييفو التي احرقتها القنابل ..اذن ، تؤكد الكاتبة ان النساء كن قارئات جيدات او عالقات في فخ قراءة ادب الرجال او الحرص عليهم ،فتلك السيدة الروسية مثلا كانت شديدة القلق على ولدها الذي كان طالبا جيدا وعاشقا للأدب وخصوصا كتب بوشكين وكانت تحرص على تفتيش جيوب ابنها لشكوكها بتعاطيه المخدرات ..وذات يوم ، تعثر المرأة على علبة صغيرة تضم مادة بنية اللون وملفوفة بعناية في ورقة ، وبدلا من مواجهة ابنها ومعاقبته ، قررت ان تجرب بشجاعة تاثير المخدر على نفسها ، لذا قامت بتدخين المادة الموجودة في اللفافة وشعرت بخدر لذيذ انتزعها منه ولدها حين سألها عن لفافته فأجابته بلامبالاة :"دخنتها "...هنا يجن جنون الابن فيقول لوالدته ان اللفافة الصغيرة لم يكن فيها "حشيشة "بل القليل من رفات كاتبه المقدس (بوشكين ) يزعم رفاقه انه ماخوذ من قبره لذا كان يمثل له شيئا مقدسا ...تندهش المراة ويزول خدرها وتدرك انها انما دخنت (بوشكين ) فكان مافعلته دون ان تعلم انتقاما من تضحية الجندية من الجيش الاحمر بابياتها الشعرية وبداية لصفحة ثورية جديدة في تاريخ الادب ... بمثل هذه الحكايات ، نسجت دوبرافكا اوغريسيك ،احداث روايتها (نساء ، تبغ ،ادب ) المترجمة الى الفرنسية بواسطة ماري روبن والصادرة عن دار فايارد للنشر في باريس.
نساء ينتقمن لضياع ابداعهن على ايدي الرجال
نشر في: 10 إبريل, 2010: 04:35 م