اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > فضة تخرج من الباب

فضة تخرج من الباب

نشر في: 11 إبريل, 2010: 05:37 م

نزار عبد الستارلم تمت فضة. وصلت متأخرة نصف ساعة. فتحت باب الشقة بمفتاحها وأغلقته بكعبها. تدخل منفعلة عادة ولديها شتائم كثيرة غير مؤذية. تركت على خدي غبار شفتيها ومضت إلى المطبخ حاملة أكياسها السود. أتوسع في الكرسي لأكون ثابتا ومستعدا لمقاومتها.
سمعتها تقول ان سيارة مفخخة انفجرت صباحا في شارع الربيعي بالقرب من مطعم happy time حيث كنا نحب أكل البركر فيه قبل سنة ونصف.تخلت في غرفتي عن حقيبة يدها وشالها وحذائها وقرطيها وسلسلة رقبتها وساعة يدها. تفعل ذلك حين تأتي. تسمعني أقسى ما عندها وبكلمات قليلة ولكنها سرعان ما تعتذر عن غبائها. أقول لها دائما ان صوتها عنيف بينما أنا في الحقيقة اكره الصباح لانه غير آمن.عندما تأتي افرح بنجاتها من الموت وهي تستغل ذلك بطريقة لا أتمكن معها من المحافظة على إعجابي السابق بها. تتجنب النظر إلي وأنا على كرسي الخيزران في الصالة مرتديا الملابس التي جهزتها لي بالأمس. تنزعج من سرعة نمو لحيتي ومن سوء ارتدائي ملابسي ومن تخمر أنفاسي. تتحرك كثيرا وتتكلم طويلا كي أؤجل الحديث عن مخاوفي الجديدة التي تجمعت لدي من الليل الماضي. تكرهني عندما تجد ان لا شيء تغير وأنني سأكون أثقل على قلبها من الأمس. أراها تتعامل مع الملاعق والسكاكين والأقداح بعصبية وتكسر لي شيئا وهي تغسل الأطباق بأصابع متوترة وبلا تركيز. أحيانا اسمعها كلاما بذيئا ولكنني في اغلب الأوقات اسكت كي تقول ما عندها من أخبار سيئة وتكتشف بنفسها ان موقفي يستحق تعاطفها. اختفت اكثر من مرة في الحمام. هي تعلم انني ابذل جهدا كبيرا في ان تكون الشقة على حال جيد ولكنها ما ان تراني على كرسي الخيزران حتى تصاب بنوبة انفعال وترى الشقة متسخة وتجدني بشعا رغم انني احرص على ان اكون قريب الشبه بنفسي قبل اكثر من ســـــــــــــنة ونصف. أكلت جبنا عربيا جلبته معها دون ان تنقعه بالماء وشربت الشاي من قدح كبير استخدمه لشرب البيرة. لم تعد تضبط مضغها كما في السابق وتبدو لي وكأنها خلعت نصف اسنانها. هي تعلم انني أتعمد ألا أكون على حق كي لا اخجلها. قالت انها قابلت صديقي الموسيقي حسين درويش في ساحة النصر واخبرها وانه سينتقل للعيش في اربيل. اختفت في الحمام وفتحت الماء على الطشت المعدني كي تحدث ضجة تعلو على رشّات بولها.سألتها:ـ هل كان يحمل شيئا في يده؟.ـ أظنها قنينة.ـ يمسكها من رقبتها ويمشي دون ان يحركها وكأنه يحمل آلة عود.ـ نعمـ انه يكذب.. لن يسافر.تعيد ترتيب الاشياء بعيدا عن رغبتي حتى تشعرني بحجم الفوضى التي احدثتها في روحها. رفضت ان اشتري لها غسالة كهربائية، كما اعترضت على تكليف حارس العمارة بأعمال إضافية غير توفير الغاز والبيرة والويسكي. توقعت ان يدفعني اخلاصها وتفانيها إلى ان أتزوجها ولكنني اكتفيت بان اقبل يدها قبل ان تذهب. حين كنت ادور بها في كافتريات ومطاعم بغداد قبل ست سنوات كنت أقول لها كلاما جميلا وكانت كما هي الان، تسرف في التوقعات، وترضى بلمسة قصيرة، وبابتسامة خفيفة، وبقبلة على اليد. وقتنا الان ثقيل مثل كلامنا وشقتي رغم تعدد ألوان دهانها واللوحات الكثيرة الغالية إلا انها مثل كل شقق العمارة تبدو مكتبا تجاريا وهميا ومخبأ دعارة. عادت مبللة الذراعين وثوبها الاسود الكالح منكمش على جسدها. شكلها يناسب نذالتي. وقع بصرها على الأرض حيث آثار الليل ولكنها لم تقم بحركة مثيرة. طلبت منها ان تترك كل شيء وتأتي لتجلس بجواري إلا انها مضت إلى النافذة. انتظرتُ أن تبسط كفها وتحرك إصبع الوسطى بتعبير فاجر، ولكنها لم تفعل ذلك وفتحت النافذة.أنطق بكلمات سخيفة حين تعاندني ولكنها لا تتأثر. تعلم انني، بعد مضي ست سنوات، لا يمكن ان أكون جادا أبدا. منذ أسبوع وهي تعتقد أنها ظريفة وصغيرة السن. كانت فرحة لأنها قامت بتشذيب حاجبيها وقص شعرها وانني وجدتها جديدة وتلمستها كثيرا. تلفظ كلمة واحدة فاحشة عن أمي و تحرك إصبع الوسطى بطريقة تفتقر إلى الفجور ولكنها اليوم نسيت هذه الحركة الحلوة. هي خائفة. تظن أنني لا اعرف انها تخاف ان لا تأتي غدا.انشغلت بتمييز مؤخرتها المسطحة عن لوح ظهرها. تركتها تواجه منظر حائط العمارة المجاورة الذي تطل عليه النافذة ويمكن لمسه بمد الذراع.قالت:ـ غدا سأشتري بوسترا لمنظر طبيعي وأعلقه على هذا الحائط.قلت لها بصوت مرتفع:ـ أصحاب المكاتب في العمارة يظنون انك عاهرة.استمرت بالكلام عن صور شاهدتها في شارع المتنبي فيها اشجار ساحلية وطيور برية. تحب أن تتكلم دائما عن أشياء تشبه الأحلام. أنا كنت افعل ذلك في السابق وضحكت عليها بكلام سخيف عن رمل ابيض وأمواج سمائية اللون ونخيل طويل ورشيق. هي لم تعد تفهم كيف مللت من الحديث عن أشياء كهذه وعندما يأخذها الحياء ولا تجرؤ على سب أمي أو تحريك إصبع الوسطى تتكلم عن شوارع نظيفة وأضواء دائمية لا تنقطع.قلت لها:ـ فضة دخان المولدة الكهربائية سيخنقنا. أنت تنظرين إلى حائط  اسود بينما أنا أتوقع أن يصلوا بعد قليل لخطفي.قالت:ـ الأدوية في حقيبتي. انها هندية المنشأ. طلبت من الصيدلاني ادوية عراقية  فقال بان مصنع سامراء يقع في منطقة سنية وان أدويته لا توجد إلا في الاعظمية.طلبت منها أن تترك النافذة فورا وتقترب مني.قال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram