اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سيد الحلم

سيد الحلم

نشر في: 8 ديسمبر, 2017: 09:01 م

قد يبدو الرسام البلجيكي بول ديلفو (١٨٩٧-١٩٩٤) أقل شهرة من مجايله وابن بلده رينيه ماغريت، لكنه بالتأكيد لا يقل عنه اهميةً، هو الذي لا يخلو أيَّ كتاب حول تاريخ الفن من أعماله، وهذا بالتأكيد مايريد قوله متحف (كنست هال) بمدينة روتردام، حيث يقيم له الآن معرضاً كبيراً ومهماً بعنوان (سيد الحلم)، والذي يضم تسعين عملاً من أعماله الخالدة، توزعت بين أعماله الزيتية ومائياته والعديد من التخطيطات.
ينتصب متحف (كنست هال) ذو الشكل المربع وسط المدينة، ويستقبل زائريه بإلتماعة تشبه إبتسامة حانية، تعكسها واجهته الزجاجية الواسعة التي تعتبر مثالاً جميلاً للعمارة الحديثة. والمعرض يقام بمناسبة مرور ٢٥ سنة على تأسيس المتحف، حيث أُستعيرَتْ الاعمال من بعض المتاحف وكذلك من مجاميع خاصة. فرصة نادرة لمشاهدة أعمال رسام الغموض الذي مزج بين السريالية والتعبيرية والرمزية، وتَنَقَّلَ بينها بمرونة كبيرة وهو يضع مفرداته التي احبها واصبحت جزءاً مهماً من حياته، مفرداته التي رسمها وأراها الآن تتوزع على قاعات المتحف وزواياه المضيئة. مناخات خاصة وتفاصيل لا تخطؤها العين مثل القطارات، المحطات، المسافرين،النساء العاريات، الأحلام، العزلة وكذلك الأسرار التي تبدو بعيدة المنال. هذه هي أجواء الرسام ومفرداته والمواضيع التي تستهويه.
فُتِنَ ديلفو منذ طفولته المبكرة بالقطارات والترامات والمحطات، وهذا الموضوع أثَّرَ عليه كثيراً ورسمه في لوحات عديدة فيما بعد. كما أن تأثره ببعض الفنانين الملهمين اعطاه حرية التنقل بين اساليب وتقنيات مختلفة، فبعد أن أُعجِبَ في شبابه بأعمال مودلياني ونسائه العاريات اللواتي حاكاهن على قماشاته الفتية وهو يعيش فترته البوهيمية وسط موديلات نسائية جميلة، تركَ هذا الاسلوب، ليتحوَّلَ إعجابه بعد سنوات لاحقة نحو أعمال جورجيو دي شيريكو الذي تعرف على أعماله أثناء رحلته الى ايطاليا، وهذا ما جعله يميل الى رسم بعض مشاهد العمارة الكلاسيكية بطريقة موحشة وميتافيزيقية. ليجد لنفسه فيما بعد طريقاً آخراً، طريق يؤدي الى أعمال جيمس انسور ويتأثر بالهياكل العظمية التي كان يرسمها، وهذا التأثير دَفَعَ بأعماله خطوة كبيرة للأمام، واصبح تأثير لوحاته قوياً وصادماً، فهو تعامل مع هذه الهياكل وكأنها موديلات حيَّة أو أظهرها بمظهر الاشخاص الذين يعرفهم ويعيش معهم، ومن هنا كانت الصدمة الكبيرة التي ولَّدَتها هذه الاعمال عند المشاهدين.
كان ديلفو يتجول بين أعمال الرسامين الذي يحبهم كما يتجول في حقل مليء بالزهور الجميلة المختلفة، يقطف واحدة من هنا، وأخرى من هناك، وثالثة من مكان آخر، ليصنع في النهاية باقة مدهشة من الزهور، باقة تُمَثِّلهُ وتمثل رؤيته وتقنيته وإبداعه. ورغم ان الكثير من الفنانين والنقاد يَعِدّونَهُ واحداً من أهم السرياليين البلجيكيين، إلا أنه لم يعتبر نفسه واحداً منهم، لأنه مضى في طريق لم يرد له تسمية معينة، ونجح بالفعل في إضفاء لمساته الشخصية واسلوبه المرهف واستطاع أن يعكس على قماشات الرسم روحه المليئة بالأسرار والحكايات الملغزة، كل ذلك قدمه بتقنية وضعته دون تردد في مصاف الفنانين الكبار. وهذا بالفعل ما نراه في لوحاته الآن، لوحاته ذات الاسلوب المسرحي، المدروسة بعناية فائقة والمرتبة للغاية من حيث التكوين والمعالجة.
إمتدت حياة ديلفو قرناً من الزمان تقريباً، قضاها في مرسمه وهو يسبر اغوار شخصياته الغريبة ويحاكي عزلتها بألوانه. وقد توقف نشاطه بعض الوقت أثناء الحرب العالمية الثانية بسبب النازيين، لكنه بعد الحرب كان مركزاً للإهتمام في كل العالم، وقد تسابقت المتاحف للاحتفاء بأعماله، ومُنِحَ العديد من الجوائز، كان آخرها جائزة الدولة البلجيكية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram