من المقرر ان تذيع محطة البي بي سي البريطانية برنامجاً وثائقياً عن صاحبة كتاب (البيت الصغير في البراري) الذي يتضمن مذكرات الكاتبة لورا انغولز وتجربتها الحياتية.
وقد تم انتاج مسلسل تلفزيوني مأخوذ عنه عرض في الستينيات ولاقى نجاحاً كبيراً ومنقطع النظير،وما زال العديد منا يتذكر أحداث المسلسل حتى الآن
المذيعة سميرة أحمد وهي أيضا صحفية وكاتبة بريطانية من أصل هندي (ولدت عام 1968) و تعمل في محطة البي بي سي منذ سنوات ،تتحدث في هذه المقالة عن برنامجها المرتقب:
ربما يمكننا أن نلوم الرئيس الاميركي الاسبق رونالد ريغان لحقيقة أن الكاتبة لورا إنغولز وايلدر لم تكن مفهومة بشكل جيد. فقد قال في مقابلة أجريت معه في السبعينيات، أن مسلسل البيت الصغير المأخوذ عن إحدى رواياتها، كان مسلسله التلفزيوني المفضل.فقد كان يشعر بالراحة وهو يشاهد تلك الحكايات الأخلاقية عن عائلة إنغالز ، التي يقودها الأب تشارلز أنغلز (قام باداء دوره النجم والمنتج مايكل لاندون). ولكن المسلسل ابتعد عن الثماني روايات التي تتحدث فيها الكاتبة عن ، فتاة تدعى لورا وتصف حياتها من أيام الطفولة حتى سن الزواج، وتشهد اثنائها أحداثا كثيرة مثل طرد قبائل السكان الأصليين ، وافتتاح السكك الحديدية والدمار الذي أصاب البراري التي كان تعيش فيها . وبمناسبة ذكرى مرور 150 عاماً على ولادة الكاتبة ، توجهت إلى منزلها السابق لحضور الاحتفال السنوي الذي يقام هناك ولكي أحاول تقييم مكانة الكاتب في تشكيل الهوية الأميركية الحديثة.
لا يزال هناك رجال من طائفة الأميش (طائفة مسيحية يعيش أفرادها في الولايات المتحدة ويؤمنون بالانعزال عن العالم الخارجي وعن أي محاولات لدمجهم أو خلطهم بمجتمعات وتعاليم أخرى) وهم يركبون العربات التي تجرها الخيول على طول حافة الطريق السريع إلى مانسفيلد بولاية ميسوري. ولا تزال الأراضي الزراعية وفقا لمكتب الإحصاء الأميركي، واحدة من أفقر 100 بلدة في الولايات المتحدة. ومن موقف سيارات زوار متحف مزرعة روكي ريدج،يمكنك رؤية المنزل الحجري لعائلة وايلدر المقام على احدى التلال، وهناك مجموعات كبيرة من عوائل المينونايت (وهي الطائفة الاكبر التي انفصل عنها الأميش ) - و لا تزال هذه البلدة تعيش نفس التقاليد التي أسسها المستوطنون البيض الاوائل الذين وصلوها قبل 120 عاماً.
عندما انتقلت وايلدر وزوجها، ألمانزو، من داكوتا الجنوبية في عام 1894، كانت لا تزال في العشرينيات من عمرها. لقد فقدوا مزارعهم الأصلية نتيجة للجفاف وتراكم الديون في أعقاب الأزمة المالية عام 1893 – وهي أسوأ أزمة مصرفية حدثت في تاريخ الولايات المتحدة حتى إنها أسوأ بكثير من أزمة عام 1929. مع فاتورة قدرها 100 دولار مخبأة في صندوق الكتابة العائد لها – وهو كل ما حملوه معهم عندما غادروا – تشير هذه الفاتورة الى ثمن ، الأرض التي اشتروها . وهو المكان الذي كتبت فيه رواياتها، ومزجت فيها بين الواقع والخيال.
ومنذ ذلك الحين أصبح هذا المنزل موقعاً يزوره الكثيرين . ويرى العديد من الزوار أن وايلدر مواطنة أميركية أصيلة تحمل القيم التقليدية، بينما يدعي الليبراليون انها شخصية نسوية ناشطة رفضت أن تقدم فروض "الطاعة" من أجل زواجها، وحفلت قصصها بمشاعر فتاة صغيرة متمردة شعرت بكرهها " لأن تخضع للتقاليد السائدة "وان تكون " سيدة مثالية "مثل الملائكة، كما كانت تفعل شقيقتها ماري. أثارت هذه الكاتبة الاهتمام بإماكن في جميع أنحاء الغرب الأوسط، من ولاية ويسكونسن إلى ساوث داكوتا؛ حين كتبت عن الأماكن والأحداث الحقيقية، و وصفت بمشاعر فياضة معاناتها جراء ، وفاة شقيقها الرضيع فريدي.
. إنها فتاة عاشت معظم حياتها في فقر؛ لم تبدأ في كتابة ذكريات عائلتها إلا حين بلغت الستين من العمر . كان ذلك تمريناً لما يدعوه ووردسورذ "تجميع المشاعر في هدوء". لكن التوقيت لم يكن هادئا فانهيار سوق المال في الأزمة المالية التي عصفت باميركا عام 1929أتى على كل مدخراتها للمرة الثانية. وبين ظهور أول كتاب لها، بعنوان البيت الصغير في الغابة الكبيرة ، في عام 1932، وآخرها، وهي السنوات الذهبية السعيدة، في عام 1943، أصبحت كاتبة الأطفال الأكثر مبيعاً، وهذا النجاح ساعدها جزئيا على نشرها كتابها السادس ، الشتاء الطويل (1940)، وأصبح على رأس قائمة الكتب التي يدرسها تلاميذ المدارس اليابانية والألمانية في أعقاب الحرب العالمية الثانية .
نالت حكايات وايلدر شهرة عالمية خلال سنوات التقشف في الأربعينيات، حيث أن كتبها مليئة بقصص الصبر والتحمل ولكنها كانت أيضا مليئة بلحظات الاحتفال بلقاء الأحبة. وتم تسمية عدد من المدارس والمكتبات على اسمها ، ولاتزال قاعة مطالعة كتب الأطفال في مكتبة بومونا،في ولاية كاليفورنيا، تحتفظ بمخطوطة أصلية لروايتها السابعة البيت الصغير في البراري مكتوبة بخط يدها
في عطلة نهاية الاسبوع التي أمضيتها في منزل الكاتبة ، إلتقيت بالعديد من الأطفال، وخاصة الفتيات الصغيرات ذوات الضفائر الذهبية التي تشبه ضفائر لورا بطلة رواياتها ، وكن جميعا عاشقات لرواياتها ويحضرن لمشاهدة معرض الحِرف التقليدية مثل الغزل. وإلتقيت بثلاثة أجيال من عائلة واحدة - الجدة والبنات والحفيدات – الذين كن يتجادلن بمرح عن من هي الأكثر شبها بلورا من بينهن.
على متن طائرة العودة إلى ميسوري كنت أنظر إلى السماء وأشاهد القمر و هو ينير بضوئه المناظر الطبيعية بجوار الطرق السريعة والبلدات التي تشبه تلك التي عاشت فيها لورا. فقد ولدت في عام 1867، وتوفيت في عام 1957، قبل بضعة أشهر من إطلاق أول قمر صناعي (، أطلقه الاتحاد السوفيتي في يوم 4 تشرين الأول عام 1957 ). كانت مجموعة روايات البيت الصغير تلتقط مشاهد الحياة العادية التي كانت شاهدة على تحولات هائلة. من الممكن أن نحبها ولكن يجب أيضا تخليصها من الأساطير الكامنة وراءها. سوف تستمر قصص الكاتبة لورا انغولز وايلدر تجذب القراء إلى بيتها الصغير ، الذي كتبت عنه بكل ذلك الحب. "البيت الذي لا يمكن نسيانه ، كما تقول حيث كان يعيش فيه بابا وماما "، لأنهم يعيشون معي الآن. ولا يمكن أن أتصور إن ذلك قد حدث منذ زمن طويل ".
عن: نيو ستايتسمان