علي حسن الفوازهل يمكن ان نقترح سياقات فاعلة للتعاطي مع اشكالات الدولة والثقافة؟ وهل يمكن ان نعيد انتاج السياسي والثقافي خارج ازمة التاريخ، وداخل معطيات اللحظة العراقية الراهنة؟ وهل يمكن ان نضع الخطاب الثقافي والسياسي
في سياق من التشريعات والقوانين التي تعطي قوة للمؤسسة الثقافية وتحمي المثقف العراقي من هيمنة الواجهات والعناوين السياسية والأمنية والاجتماعية وغيرها؟هذه الأسئلة الجوهرية تثير اسئلة اكثر عمقا عن الاليات والكيفيات التي يمكن من خلالها ان نعيد قراءة(محنة المثقف) في تاريخ السلطة العراقية، وازمة المؤسسة الثقافية الغائبة والمغيبة وضعف دورها في صناعة بيئة للوقاية الثقافية، وقوة للمواجهة الثقافية.وطبعا نجد ان تشوهات البيئة، وتشوهات المؤسسة تعنيان اختلال دور المثقف في مواجهة السلطة وفي صناعة فاعليته المستقلة، ناهيك عن نكوصه الى ممارسة ادوار استلابية تزيد من اغترابه وضعفه، ومن تماهيه مع(طابو)السلطة وقوة ملكيتها للرأي العام والحسبة والعنف والرقابة والفقه الشرعي!.هذه التوصيفات القرينة بازمة المؤسسة الثقافية وازمة المثقف تعني بالضرورة البحث عن مواجهات مضادة، لاتعيد انتاج تاريخ الازمات بقدر ماتسعى الى محاولة البحث عن المجال والسياق اللذين يمكنهما استقطاب الفاعلية الثقافية الى النسق المهيمن الذي تصنعه السلطات دائما، اذ ان الحديث عن الثقافة المستقلة يعني موت هذه الثقافة، او التعمد الى صناعة ثقافة مهددة ومطاردة، لذا بات من الضروري النظر الى الفعل الثقافي من خلال المجال كمايسميه علماء السيميائيات، والذي يمكنه ان ينتج المعنى والنص وكل اغراض الدلالة.صناعة المجال تعني صناعة المفاهيم، والاستعداد لصناعة المواقف، وصناعة الوظائف، وبالتالي الانطلاق لصناعة العلاقات(علاقة الانسان بالمكان، علاقة المثقف/المواطن بالسلطة، علاقة النص الثقافي بالنص السياسي/الايديولوجي والنص الديني) واحسب ان ازمة المثقف العراقي في علاقته مع السلطة تكمن في هذا التشوه العلاقاتي، اذ ان تاريخنا خال من معطى المثقف المدني، والمثقف المؤسساتي، وان مانتداوله فقط هو نموذج المثقف هو نموذج الاحتجاجي، المتمرد، صانع التأويل، صانع الشفرات غير الطيّع للافهام، المطلق العنان خارج قيد النص والحكم، وهذا النموذج سهل مراقبته واصطيادته وتحديد دوره، كما ان السلطة في تاريخنا المعاصر تعني دائما الدولة(بحكم تواتر المهيمنات، وهي تعني في هذا، انها المجال الوحيد الذي ينتج النص والعنف والمعنى والدلالة، مثلما هي المسؤولة بالفرض على صناعة(الفضاء/التقارب في المكان والعلاقات الانثربولوجية ضمنه والتي تؤمنها تقاليد الثقافة العربية الاسلامية التي من صميمها الاحتفاء).هذه التقاليد صنعت واقعا ومجالا لنموذج من المثقفين الاقرب الى الفقهاء، والاقرب الى صانعي الدرس التعليمي في الثقافة، والذي همش بدوره المؤسسة الاكاديمية التي ظلت مؤسسة مغلقة ومعزولة وذات دور محدد في صناعة الرأي العام الثقافي، او صناعة اسئلة الفكر الثقافي بمستوياته المعرفية والنقدية، واظن ان السلطات القديمة كانت تدرك خطورة هذه المؤسسات، لذا ادخلتها عنوة الى(طابواتها)المرعبة والمرعوبة، والبعيدة عن المجالات المؤثرة على الاجيال الجديدة الذين يشكلون قوام هذه المؤسسة..ولعل نموذج(مثقف السلطة) الذي اعتدنا التعاطي مع حضوره الصاخب، هو المثال على نزعة ابتكار(المجال الملفق)الذي لايصنع زمنا للانتاج الثقافي في تراكم الافعال الاجتماعية وشبكاتها في الواقع والمجتمع وتراكم الخبرات، مثلما لايصنع مؤسسات فاعلة ومستقلة للحماية الثقافية، لان الانتاج الثقافي سيكون هنا محدود الاستعمال اولا، وخاضعا الى نوع من التهييج النفسي والايديولوجي ثانيا، وبالتالي فانه يفقد جنوسته في حفظ النوع الثقافي الذي تحرص الامم على تمثله، وعلى صناعة المتاحف الكبيرة له.ازاء كل هذا، وازاء كل المعطيات الصادمة والعنيفة التي اعتورت المجال العراقي الجديد في مرحلة مابعد التغيير العاصف الذي حدث في العراق عام 2003 تبدو الحاجة الى التوّسع في دائرة انتاج الفعل الثقافي(الاعلامي والمعرفي والمعلوماتي) امرا ضروريا باتجاه اعادة تأهيل الكثير من جوانب واقعنا وادائنا ومناهجنا والتي تعرضت طوال عقود الى سلسلة من التخريبات من مؤسسات غير ثقافية(عسكرية، ايديديولوجية، قبلية، قوى احتلال خارجي) مثلما هو السعي بالمقابل الى صناعة مؤسسات ثقافية مدنية يمكنها الوقوف والتكامل مع المؤسسات الثقافية الرسمية، تلك التي تكلست بفعل التبعية والتلفيق والتكرار والاستهلاك وغياب التجديد، وبفعل الطابع القهري العالق في اذهان الجميع الذي تركه الاثر القديم للسلطة الشمولية القديمة وانماط سلطاتها القهرية على الانسان والمجتمع والفكر والمدرسة والمؤسسات العلمية المدنية والاكاديمية ،وهذا بلاشك جعل من هذه المكونات بعيدة وخاضعة الى انواع معقدة من الادلجة، والى توجهات انعسكت على مجالات العمل والحراك والتقدم في الجوانب العلمية والمعرفية الاكاديمية، واستشراف افاق جديدة&nbs
من يعيد انتاج السلطة والثقافة؟
نشر في: 12 إبريل, 2010: 04:56 م