لا يختلف أيّ متابع مُنصف في القول إن دوري كرة القدم العراقي ومنذ سنوات طويلة يجري تحت ظروف استثنائية لا يوجد لها مثيلٌ في كل أصقاع العالم، دوري لا يعترف بفترة زمنية محدّدة ولا يستند الى روزنامة ثابتة ولا يملك مقوّمات إدارية ولوجستية متكاملة، دوري لا تقدر أنديته على إدارة شؤون منظومتها الكروية من لاعبين وملاكات تدريبية باحترافية تضمن لها الاستقرار والمطاولة في سباق الماراثون السنوي.
من يعمل وسط تلك الأجواء لابد أن يمتلك مواصفات بدنية وذهنية على مستوى عالٍ يحمِل بين جوانحه إرادة تساعده في تخطّي مطبّات نفسية قد تسقطه بضربات متعاقبة تأتيه تارة من الهيئات الإدارية ومن سوء النتائج تارة أخرى، وفي أحيان كثيرة من الجماهير التي باتت تشكّل سُلطة بحد ذاتها تتحكّم في مصائِر اللاعبين والطواقم التدريبية، الأمر الذي جعل دورينا يحصل على ميزة أخرى تتمثّل بسرعة وكثرة الإطاحة بالمدربين، وبرقم قياسي فريد!
الحديث عن تعقيدات الدوري العراقي لا يُلغي وجود إضاءات تنير بعض المسالك المُعتمة التي أثبتت وجود طاقات يمكن أن تفرض قدرتها واحترامها على الساحة الكروية لتقدّم دروساً في الاتزان بالتصرّف والتأنّي في التعامل وصولاً الى النجاح والتألق.
الكلمات والمواقف هذه تجسّدت بكل معانيها لتستقرّ عند ظاهرة المدرب الوطني أيوب اوديشو الذي يعيش الآن في لحظات التميُّز وهو يقود الكتيبة الزورائية بثقة وهدوء من فوز طبيعي الى انتصار مُبهر مُسجّلاً بداية موفقة جداً لهذا النادي الكبير.
قد يكون الكلام عن نجاح تجربة أوديشو مع النوارس مبكراً، خاصة أن عجلة الدوري مازالت في بداية انطلاقتها، لكن في المقابل هناك مؤشّرات واضحة على امكانية الرجل الذي تخطّى الصعاب التي صادفت إعداد فريقه ومواجهته في أول ظهور له في كأس السوبر2017 غريمه القوة الجوية "العنيد" المنتشي بكأس الاتحاد الآسيوي، وامتلك الجاهزية النفسية والبدنية لينتصر عليه ثم عاود التفوّق خلال الأسبوع نفسه وأسقطه بثنائية وسط ذهول جماهير الصقور!! وها هو النورس يواصل طريق اعتلاء قمة الدوري حتى الآن.
حَمَل أيوب إرثاً مُثقلاً بالهموم بعد أن تعرّض لأكثر من مرة الى هجمات إعلامية وانتقادات لاذعة خاصة بعد تجربة قيادته نادي الطلبة ومن بعدها انفصاله عن نادي نفط الوسط في الموسم الماضي، وهناك من أطلق عليه وصف المدرب غير الملتزم بعقده، وغيرها من الأوصاف إلا أنه آثر على نفسه وصمد أمام موجات النقد اللاذع ليعود مرة أخرى الى التصدّي للمهمة بعزيمة أكبر تاركاً وراءه سهام التسقيط تتلاشى على أسوار صمته وثباته وحنكته.
صبر أيوب .. ليس وليد المرحلة الحالية إنما يمتد الى سنوات طويلة حينما تجاهل اتحاد كرة القدم قدراته ومحطّات نجاحه كمدرب يمتلك من الخبرة ما تشفع له توليه قيادة أحد المنتخبات الوطنية لجميع المراحل العمرية أسوة بأقرانه الكبار والصغار، إلا أنه وبرغم ترشيحه لأكثر من مرة من قبل لجنة المنتخبات كان يواجه الإبعاد عن خيارات اصحاب القرار النهائي دون أن نجد التفسير الفني والمنطقي لهذا الجفاء الغريب.
تجربة تستحق الوقوف عندها طويلاً وتكون درساً لمدربين آخرين لأن يمضوا في طريق الثقة بالنفس والإصرار بعيداً عن مطبّات التسقيط والإنجرار وراء إرهاصات العمل وسط ظروف قاسية ربما تنتج الفشل أكثر من فرص النجاح وهي مناسبة أيضاً لتذكير الاتحاد بمراجعة مواقفه المتجاهِلة لبعض الكفاءات التدريبية التي لابد أن تأخذ فرصتها على صعيد المنتخبات الوطنية وما صبر أيوب إلا إنموذجاً.
صبر أيوب
[post-views]
نشر في: 1 ديسمبر, 2017: 09:01 م