TOP

جريدة المدى > عام > بدري حسون فريد وتشيخوف

بدري حسون فريد وتشيخوف

نشر في: 29 نوفمبر, 2017: 12:01 ص

هذه خاطرة سريعة ليس إلا , وهي تحتاج الى معلومات أوسع و بحث أعمق في سيرة حياة الفنان المسرحي الكبير الراحل بدري حسون فريد بلا شك, ولكني أود أن أطرحها فقط لأنها – من وجهة نظري – تشكّل ركناً مهماً جداً في إطار موضوعة الأدب الروسي في العراق , وهي موضوعة اهتم بها بحكم اختصاصي ونشاطي الفكري منذ أن كنت تدريسيّا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد طوال أكثر من ثلاثين سنة , و التي لا زلت متابعا لها بعد تقاعدي .
ابتدأت فكرة هذه المقالة عندي عن علاقة بدري حسون فريد بتشيخوف عندما كنت مشرفاً علمياً على إطروحة ماجستير بعنوان – (الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية) , والتي انجزها طالب الماجستير آنذاك هاشم الموسوي في تسعينيات القرن الماضي في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , اذ وجدنا عندها , أن الراحل بدري حسون فريد قد أعدّ مسرحية ذات فصل واحد ونشرها في مجلة الاقلام العراقية بعنوان – ( الحرباء ), وهي في الأصل قصة قصيرة معروفة للكاتب الروسي تشيخوف , ولا أذكر – مع الأسف الشديد – عدد تلك المجلة ولا حتى التاريخ التقريبي لصدورها , وقد حاولت أن أجدها الآن عبر البحث في (غوغل) , والاستفسار هنا وهناك , ولكني لم أصل الى نتيجة , رغم إني أتذكر بشكل دقيق , إن الراحل بدري حسون فريد قد حافظ على روحية تشيخوف وخصائص بنيته الفنية في قصته تلك , واستطاع بمهارة فائقة أن يحولها الى مسرحية , مستخدما طبعا خبرته الطويلة في المسرح تمثيلاً واخراجاً ودراسة اكاديمية عميقة. إن العمل الذي قام به الراحل بدري حسون فريد في هذا الإعداد المسرحي لقصة تشيخوف جعله يقف – وبجدارة واستحقاق عاليين – مع طليعة الفنانين المسرحيين العالميين الكبار , الذين فهموا بعمق طبيعة قصص تشيخوف و خصائصها , والتي يمكن بالتالي تحويرها وتحويلها الى مسرحيات في حالة معالجتها مسرحياً من قبل مسرحيين موهوبين ويمتلكون تجربة مسرحية كبيرة وعميقة فعلا مثل الراحل بدري حسون فريد.
لقد وجدت في المقالات التي نشرها العديد من الأدباء والصحفيين والمسرحيين العراقيين بمناسبة رحيل بدري حسون فريد نقطتين ترتبطان بتشيخوف أيضا , وهما , أن الراحل اثناء دراسته للمسرح في امريكا قد اشترك مع زملاء مسرحيين له في تمثيل مسرحية ( الدب ) لتشيخوف , والنقطة الثانية , إن الراحل قد أعدّ قصة تشيخوف ( ردهة رقم 6 ) مسرحياً وقدّمها في مسارح بغداد في تسعينيات القرن الماضي .
إن النقاط الثلاث , التي ذكرتها أعلاه , تجعل من طرحنا لهذه المسألة صحيحاً جداً , بل وتجعلنا نستنتج , أن بدري حسون فريد قد تعامل مع تشيخوف بشكل علمي ودقيق جداً , إذ إنه اختار جوانب تتلاءم وتنسجم , بل و حتى تعالج القضايا الاجتماعية العراقية بالذات , فقصة تشيخوف ( الحرباء ) التي حوّرها بدري حسون فريد ترتبط بشكل مباشر بموضوعة النفاق الاجتماعي البليد والخطير في نفس الوقت أمام السلطة الغاشمة , وكيف ( يتلوّن !) رجل البوليس و ( يتنقل !) من موقف الى موقف آخر يتناقض تماماً تبعاً للظروف السائدة , أما قصة ( ردهة رقم 6 ) , فإنها تعتبر واحدة من قصص تشيخوف الشهيرة عالميا , والتي صوّر بها الواقع الروسي الرهيب , والتي أشار اليها او استشهد بها الكثيرون من الأدباء والمفكرين الروس والأجانب ( انظر مقالتنا بعنوان – لينين والأدباء الروس , ملاحظات أولية // ومقالتنا بعنوان – أخماتوفا وماياكوفسكي ) .
ختاماً لهذه الخاطرة السريعة , أتمنى أن يحوز هذا الموضوع على الاهتمام اللائق به من قبل المتخصصين العراقيين في مجال الأدب الروسي عموما , والعلاقات الثقافية العراقية – الروسية بشكل خاص , هذا الموضوع الحيوي, الذي يقتضي التعمق بدراسة السيرة الفكرية للراحل, اذ ان هذا الفنان المسرحي العراقي الكبير يستحق فعلا هذا الاهتمام به وهذه العناية الشاملة بتراثه الرائع.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة
عام

النقد الأدبي من النص إلى الشاشة

د. نادية هناوي جددت المدرسة الانجلو أمريكية في بعض العلوم المعرفية كعلم النفس اللغوي وفيزياء الأدب وعلوم الذكاء الاصطناعي أو أضافت علوما جديدة كانت في الأصل عبارة عن نظريات ذات فرضيات أو اتجاهات كعلوم...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram