لم يبقَ زمن طويل على نهاية الدورة البرلمانية إذا ما أقرَّ قانون الانتخابات المرتقب الاستعداد لدورة جديدة يأمل فيها العراقيون أن تفتح لهم أفقاً واعداً بالطمأنينة والأمان وعهداً زاخراً برجال المرحلة المُهمّة التي يُراهن عليهم رئيس الوزراء الدكتور حيدر العبادي لحسم ملفات كثيرة يجثم عليها غول الفساد، ليأخذ الوطن شهيقاً عميقاً يستعد بعدها لإعمار المُدن المخرّبة بنيران الحرب ضد الإرهاب، وإصلاح نفوس الشباب المترنّح ما بين كدمات ظروف المعيشة وسلوكيات التحرّر المجتمعي وبين ضغوط التحدي للمساهمة في إنهاض الهِمم والقضاء على الكسل وصناعة أمل رغيد.
ويُخطئ من يعتقد أن مهمة أيّ وزير للشباب والرياضة في العالم هي تكريس كل طاقته وبرامجه للساحرة المستديرة "كرة القدم" شاغلة الشعوب في مونديالاتها ودورياتها وأسواق أموالها التي ألقت نصف قادتها في الفيفا خلف القضبان، والوزير عبدالحسين عبطان أضاف أعباء أخرى لجدول أعماله إضافة إلى حرصه على تأمين البُنى التحتية، فمتابعة أدقِّ التفاصيل عن هذا المنتخب أو ذاك النادي أو الدخول في حوارات مطوّلة لبيان موقف الوزارة من زيادة سعر تذكرة مباراة الأساطير أو تحديد بدل إيجار ملعب الشعب، كلا، لا يمكن أن يستمر انهماك الوزير بشجون كرة القدم الى ما لا نهاية، فالوقائع الراهنة ما بعد تحرير أراضي المدن تطالبه بأن يكون عادلاً في منصبه كمسؤول عن "الشباب" مثلما هو الحال مع "الرياضة"!
كنا قد كتبنا في هذه الزاوية يوم 10 تموز الماضي (نريد عبطاناً موصلياً) ، وقلنا للوزير "أنك أول من ينبغي أن يستجيب لنداء شباب الموصل حال إجلاء القطعات العسكرية من الأزقة والساحات العامة ودلف الجنود والآليات إلى الثكنات، فالبصمة الكبرى المرتقبة قبل انتهاء مدة استيزارك أن تجمع ملاكات الوزارة الهندسية والإدارية والفنية وتنقل مكتبك الدائم في بغداد الى الموصل مؤقتاً" وبالفعل بدأ الرجل أولى مهامه ما بعد انتهاء الحرب بزيارة مدينة الفلوجة والإطلاع على حجم الدمار الذي طالها واحتياجات شبابها وملاعبها، واعداً محافظ الأنبار محمد الحلبوسي، أن يكون جهد الوزارة كبيراً لاستعادة المدن المدمّرة لمرتكزاتها الحضارية ومن بينها الرياضية، ونذكّر الوزير بالموصل المنكوبة تنتظر هي الأخرى أن تحاط برعايته وحسب تخصّصه قريباً.
هل يقف الأمر عند إعمار المنشآت الرياضية والاستعانة بمعونة رئيس الاتحاد الآسيوي لكرة القدم لتوفير جانب من الدعم؟ كلا، لابد من تكثيف البرامج مع الشباب، فمشكلتهم لا تقتصر على آفة إدمان المخدّرات مثلما يحذّر الوزير منها كلما تناول حديثه هموم الشباب، فوزارته ليست مَصحَّة، ويمكن أن تكافح ذلك بندوات توعية وأنشطة متنوعة تنبّه الشباب عن دورهم في بناء العراق علمياً ورياضياً وحملات مشاركة في الإعمار أيضاً بجهد شعبي، وتفعيل الطاقات الجامعية للانخراط بمشاريع تنقية بيئة المدن المحرَّرة من ترسبّات فكرية لأسوأ حقبة مرّت على وطننا منذ عام 2014 بالتنسيق مع لجنة في الوزارة تعد خططها لهذا الغرض.
إن مُرابطة الوزير عبطان في الفلوجة ومعايشة ميادين الأضرار التي خلفّتها المعارك هناك تُحسب له ولملاكه المساعد في الوزارة وتنفيذاً لواجبات قطاعه، في حين أن مغادرته مقصورة ملعب الشعب الدولي في أسوأ تصرّف قام به بعض روّاد "الشعب" فإن ذلك يُحسب ضده كونه قائد الرياضة الأول، ومثل هذه الحوادث الخطيرة يُمكن أن تُشعل فتيل عِراك دموي داخل وخارج الملعب تفوق خسائره مجزرة (بور سعيد) إذا ما تهوّر عدد من مشجعي فريق الزوراء للرد على التصرّف المشين لأنفار من جمهور القوة الجوية بعد رفعهم اللافتة السيئة!
واعجباً، كيف لا يُسجّل الوزير عبطان موقفاً مسؤولاً في لحظة شَطط فئة من الجمهور عن أدب التشجيع؟ كان يفترض به أن يلازم مقعده ويوجّه بالتشاور مع مشرف المباراة لاتخاذ القرار المناسب: إما إبلاغ الحكم بإطلاق صفارة إلغاء المباراة واعتبار فريق الجمهور المُسيء خاسراً أو يطلب من قوة حماية الملعب بإخلاء المدرجات التي تواجَد فيها حَمَلَة اللافتة عِقاباً على سلوكهم، هكذا يتم التعامل بمسؤولية مباشرة، أما مغادرة المكان تعبيراً عن الزعل والغضب والعتب، عذراً هذه بوادر لا تدعونا للتفاؤل برفع الحظر ولا المحافظة عليه مستقبلاً.
الوزير بالأبيض والأسود!!
[post-views]
نشر في: 28 نوفمبر, 2017: 03:13 م