في أواسط السبعينيات، اصطحبني والدي لمشاهدة مسرحية عرضتها دائرته الزراعية وجسد أدوارها عدد من موظفي الدائرة..لاأذكر عنوان المسرحية لكني أتذكر انها كانت تتناول موضوع الجفاف..بالرغم من صغر سني، شعرت بما يعانيه المزارع حين تجف أرضه وتموت مواشيه..لم أفهم بالطبع سبب ظمأ الارض الى المياه ولماذا يردد الممثلون اسم نهر الفرات وكيف قطعته أياد خارجية بهدف تجفيف أراضينا الزراعية لكني أدركت ان هناك خطراً ما يتهدد بلدي، واذا كانت كتب التربية الوطنية قد علمتنا أن أرض الوطن هي أغلى مالدينا وعلينا أن نحميها بأرواحنا من الخطر، فالماء هو شريان الحياة على هذه الأرض وبدونه يحل القحط والجفاف وهذا هو الخطر الذي كان يهددنا كما يبدو!!
الآن، وبعد أن واجهنا كل أنواع الأخطار من حروب عسكرية وحصار اقتصادي وارهاب خارجي وعنف طائفي وفساد حكومي، لازال بانتظارنا تهديد جديد لبلد لايمكن له أن يحظى بالراحة والاستقرار..انها (حرب المياه) التي يتنبأ بها المحللون السياسيون والمختصون في مجال الموارد المائية، اذ تنبأ علماء المناخ أولا أن نسبة الجفاف الذي سيواجهه العراق ستزداد ابتداءً من هذا العام، ثم جاء دور المختصين في مجال الموارد المائية ليتحدثوا عن دور دول الجوار في التحكم بمنابع دجلة والفرات بما يقلل من حصة مياهنا منها وبالتالي تعرض أراضي العراق الى موجة من العطش ستقضي على مستقبل الزراعة والصناعة والثروة الحيوانية فيه..
منذ أن حطت الديمقراطية وأصحابها رحالها في ديارنا، تعلمنا كيف نخرج في تظاهرات للمطالبة بحقوقنا، نحن (الظامئون) الى الحرية والديمقراطية.. نعترف اننا استمتعنا طوال مايقارب عقد ونصف من السنين بحرية التظاهر..ربما لم تتحقق مطالب أغلب تلك التظاهرات لكننا طالبنا بحقوقنا علانية كنوع من (المسكنات) لمعاناتنا الممتدة على مدى عقود..اليوم،يخرج المواطنون ليطالبوا بحقهم في مياه البلد..انه (الظمأ) الحقيقي هذه المرّة..فالحرب الجديدة لن تستخدم فيها الأسلحة ولن تسيل فيها دماء لكنها ستجفف أرض بلادنا ومنابع الأمل في أرواحنا بالعيش في بلد لايتهدده خطر ما..
في حوار تلفزيوني، يطل علينا وزير الموارد المائية ليعترف صراحة انه عاجز عن محاسبة المتجاوزين على حصص المياه الضئيلة التي تصلنا من الخارج بسبب تحكم دول الجوار في منابع أنهارنا..وفي المحافظات الجنوبية، تلوح في الأفق نزاعات مستقبلية وترفع قضايا ضد الحكومات المحلية ويشير الاهالي الى تدخل الاحزاب التي باتت تدس أنفها في كل شأن من شؤون العراق..أما آن لنا أن نرتاح إذن..لقد انتهى زمن تنظيم القاعدة..وتم وأد الفتنة الطائفية..وهاهي داعش تحتضر..ومحاربة الفساد تصبح من أولويات المسؤولين حتى لو كان ذلك محض شعارات، ولكن، كيف سيمكن التحكم في الأيدي الخارجية التي تخنق أوردة المياه وتتحكم بشرايين البلد..وتهددنا بجفاف وقحط وانهيار اقتصادي وحاجة دائمة الى منتوجات خارجية؟..يبدو اننا سنظل ظامئين إذن...ليس الى المياه فقط بل الى التحرر من تحكم الآخرين واختلاق حروب لابد أن نخوضها..إن لم يكن بالسلاح..فبالحاجة الى الماء..والسيادة...
الظامئــــون
[post-views]
نشر في: 27 نوفمبر, 2017: 09:01 م