يُصنّف العراق بين أقل الدول في العالم في مجال فتح الحسابات المصرفية بحسب خبراء في الشأن الاقتصادي، يرون أنَّ توجه الحكومة لتوطين رواتب الموظفين في المصارف مسألة مهمّة للتنمية الاقتصادية في البلاد، خاصة وأنها تسهم في التخفيف من التداول النقدي، مع تشديدهم على ضرورة أن يكون التوطين اختيارياً لحين اقتناع الموظف بالفكرة، داعين في الوقت ذاته المصارف الى الاعتناء بعمليات تسهيل اجراءات التعامل من سحب وإيداع واحترام عامل الوقت، حيث أنَّ هذه الخطوة تحتاج لثقافة مصرفية عالية.
ويقصد بـ "توطين الرواتب" عملية تحويل رواتب الموظفين في القطاعين العام أو الخاص الى حسابات مصرفية للموظفين بدلاً من تسلّمها يدوياً في دوائرهم.
الخبير الاقتصادي أحمد بريهي، يؤكد في حديث لـ(المدى) على أنه: من الأفضل دائماً أنَّ يكون توطين الرواتب اختيارياً، سواء للقطاعين العام أو الخاص، حتى يقتنع المواطن أو الموظف بمرور الزمن بأنه من المهم فتح حسابات لتسلّم رواتبهم من حسابات في المصاريف، لأنهم يستطيعون من خلال تلك الحسابات تنفيذ الكثير من تسديد أجور الكهرباء والماء والمشتريات العامّة وأمور أخرى، وفي نفس الوقت، فإن هذا الحساب هو عبارة عن مدخرات لهم، إضافة الى عملية تسهيل الدخول على هذه الحسابات بما في ذلك السحب الالكتروني منها في المستقبل، فطالما أنَّ الموظف أصبح له حساب الكتروني في المصرف، فإن جميع التسهيلات الالكترونية لتحريك الحسابات سوف يستفيد منها سواء "الاي تي ام" أو " السحب بالتلفون" أو عن طريق "الكرديت كارت"، مردفاً: ويبقى المهم أننا في العراق لدينا مشكلة أنَّ عدد الذين لديهم حسابات مصرفية من الرجال والنساء هم الأقل نسبة من بين الدول في العالم.
بريهي يقول: إنَّ ذلك يعود الى أنَّ المصاريف في العراق ليست منتشرة في كل مكان، ولا توجد لدينا في النواحي أو بعض الأقضية أية مصارف، لذلك أوصي بأن تعتني المصارف قدر الإمكان بتسهيل اجراءات التعامل مع الحسابات، حيث يجب أنْ تسهل للمودعين التعامل مع حسابات من سحب وايداع وأمور أخرى حتى تشجعهم على وضع أموالهم في المصارف وبخاصة الموظفين، لأن هذه فرصة لنا لأننا نحتاج الى زيادة عدد المتعاملين مع المصارف وتشجيعهم على الإدخار، فهذا يقلل أيضاً من حاجة الناس للاحتفاظ بالعملة، ويعود بالنفع على المصارف والمواطن والاقتصاد الوطني بشكل عام.
بدوره قال الخبير الاقتصادي ماجد الصوري في حديث لـ(المدى) إنَّ توطين الرواتب مسألة جديدة في العراق وقضية مهمة جداً بشكل عام للتخفيف من التداول النقدي للأوراق المالية. كما أنها ستؤدي الى سيطرة اكبر من ناحية أخرى لتمكين السياسة النقدية من اجراء الحسابات اللازمة للتطور، مستطرداً: لكن المشكلة الاساسية، أنَّ هذه الخطوة تحتاج الى ثقافة مصرفية عالية من قبل المصارف نفسها ومن قبل الموظفين في القطاعين العام والخاص، داعياً في الوقت ذاته الى ضرورة توطين رواتب القطاع الخاص أيضاً وليس فقط للدوائر الحكومية، خاصة وأننا حتى الآن، لم نجد له تطبيقاً إلاّ في وزارتين فقط والبنك المركزي.
من جهة أخرى، فإن مسألة اهمية توطين رواتب الموظفين ليست لها فائدة للقطاع المصرفي فقط كما يعتقد البعض، لأن العراق يحتاج الى اموال كثيرة جداً لتطوير عملية التنمية الاقتصادية كما يبيّن الصوري، مردفاً القول: سيساعد هذا التوطين القطاع المصرفي في سحب النقد من المواطن له، لكن القطاع المصرفي هو الآخر يجب أن يتوجه أيضاً الى دعم التنمية الصناعية والزراعية والعقارية، وهذا هو الأمر المهم اليوم، في الوقت ذاته، يجب أن يسعى لتطوير امكاناته لمواكبة الحداثة المصرفية.
وكان البنك المركزي العراقي قد أعلن، عن تطبيق مشروع توطين الرواتب لأول وزارتين بالعراق، مبيناً أنَّ اختيار تلك المصارف تمّ من خلال الموظف نفسه بعد مراجعته واطلاعه على العروض المقدّمة منها، مضيفاً أنَّ "راتب شهر تشرين الثاني الحالي لمركز وزارة الكهرباء وشركة خطوط الأنابيب النفطية التابعة الى وزارة النفط، تم تسلمها عبر البطاقة الالكترونية من خلال مشاركة عدد من المصارف الحكومية والأهلية"، مبيناً أنَّ "اختيار تلك المصارف تمّ من خلال الموظف نفسه بعد مراجعته واطلاعه على العروض المقدّمة من تلك المصارف، وذلك بعد نجاح عملية توطين رواتب موظفي البنك المركزي العراقي وبعد تعميم المشروع على باقي الوزارات والمؤسسات الحكومية وتشكيلاتها كافة.
وزارة العدل هي الأخرى اعلنت في 26 تشرين الأول 2017 أنها ناقشت في لقاء لها مع محافظ البنك المركزي، الآليات الخاصة بمشروع الحكومة في توطين الرواتب وتحويل دفع الرواتب الى النظام الالكتروني وبواسطة بطاقات الائتمان وضمن المصارف المعتمدة والرصينة بما يؤمن عملية تسلّم الرواتب والاحتفاظ بها في حسابات خاصة.
وكان البنك المركزي قد أعلن في 3-11-2017 أن 14 مصرفاً حكومياً وخاصاً وأجنبياً يشاركون في عملية توطين رواتب موظفي العراق، وقال المركزي إن "المصارف المساهمة في مشروع توطين الرواتب هي الرافدين والرشيد وأشور الدولي والعراقي للتجارة والتنمية الدولي والصناعي وجيهان والأهلي العراقي وأبو ظبي الإسلامي وبغداد وبنك بيبلوس والشرق الأوسط والاعتماد اللبناني والخليج".