اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > موسم جني السعادات

موسم جني السعادات

نشر في: 25 نوفمبر, 2017: 09:01 م

هذا موسم غرس الخضار، انقضى موسم جني التمر وسيقت السفائن الى الجراديغ والناس جيوب ملأى وبطون شبعت، هذا تشرين الثاني حيث البرد والمطر يطرقان الابواب في ابي الخصيب وعلى مئات الانهار التي تغرف من شط العرب الكبير ماءها، على النخيل الذي زاحم العنب والتوت، على القصب والحلفاء التي تزاحم منازل الطين، فلا شمس تجيء ولا ظلال تنقطع، هذا نهار قصير وذاك ليل يطول عند موقد فتبتدأ حكاية وتبرق سماء.. أنا ذاك كله، فأين أنا من ذاك؟
السفن احتازت عدن الى بومباي، وعبرت عمان الى زنجبار ومنها ستصل البلاد البيضاء، تعبر المحيطات محملة بتمر البصرة، رائحة المدينة الرطبة في الالواح وصورتها على الاشرعة، والبحارة الهنود يحملون سلال الخوص رخيصة الى هناك، اقفاص الرطب الذي جُنيَ مؤخرا هدايا الى المهراجات، وصفائح الزيت مطوية الحواشي معبأة بالتمر البرحي ملوزة ومجوزة ومسمسمة، كل ذلك من البصرة وابي الخصيب والفاو والقرنة والمدينة وكتيبان والحوطة، والناس مسرورين، فرحانين. المباهج تدخل البيوت كلها، الملّاك مؤتمن عند الفلاح والتعّاب راض على الملاك وعابرو السبيل، عمال المكابس والبساتين من أهل المحرزي والحويزة والعمارة والميمونة هدّوا بيوتهم المؤقتة بانتظار العودة الى بيوتهم التي جاءوا منها، صاروا أكثر سعادة ولديهم من التمر والحطب ما يكفي الشتاء رغداً وامنيات.
بالمقص الحديد يقلمون التوت والتين، وبالحبال القنب يرفعون اغصان العنب عن الارض، يعلقونها على النخل، قمريات وصوابيط، وهذا موسم كري الترع الصغيرة والشاخات، فالماء في كانون الاول ينزل منزلة الطين، وإذا هبت الشمأل من بغداد واربيل واسطنبول بردت البصرة، وإذا أثلجت المدن التي على الجبال تلك صارت الريح صرصراً، زمهريرا هنا، وما على الناس الا إستدراج الكناتير واخراج ما بطونها من الثياب الصوف والقلنسوات.
سيكون العشب قصيراً في البرد وتختفي الحلفاء ويشح القصب والجولان في الانهار، ستجوع الابقار وتتسلق الماعز اخصاص الجيران، تقرض ما بين جريدها من الحشف، وستلوذ باقفاصها الاوزات البيض ومثلها سيكون حال ما ظل في قن الدجاج من الفراخ التي لم ينبت ريشها بعد، هذا موسم يجوع فيه من لا تمر في بيته، يعرى فيه من ليس في داره إلا دشداشة واحدة، يبكي فيه من لا يجد الحليب في ضرع بقرته.
لكنَّهم يجدون من يقترضون منه، فلاح فقير وفلاح أقل فقراً، ليس بيهم الغني، فالغني سؤال مبهم، معنى من المعاني الكبيرة. كيس الرز ذو الخطين الاحمرين زنة منٌّ وثلث المن، والمنُّ البصري أربعة وستون كيلو غراما، والرز الشتال ينثر في قدور الامهات، يصبح ضعفين، فمن كانت اكياسه ملآى لا يجوع، ومن عنده بقرة في بيته لم يعدم الحليب واللبن والزبدة، لكنَّ من قارب تمره النفاد داهمه سؤال عياله وصعبت أحواله، وما أدراك لعله يستدين؟؟ ففي كل موسم يثمر النخل ويتفتق في طوق العنب برعم جديد، تلبط في نهر الجيران سمكة، يتهدل من خص الاخرين قرع وقثاء ويقطين، ففيم البؤس وفيمَ الهمُّ والغم.
يأتي من أقصى النخل طفل بيده طليع نخل، يقول: اسقطت الريح البارحة نخلتنا الطويلة، قطع أخي الاكبر رأسها وجاءنا بالجمّار، كلما حزَّ بمنجله قصمولاً بانت تحته طليعة صغيرة، نحن في نهاية الشتاء، كل طليعة ستغدو عذقاً بشماريخ، ففيم يسألك عياك مزيدا من التمر؟ هذا موسم جني السعادات.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ليفربول يخسر وديا أمام بريستون

مجلس الخدمة ينشر توزيع حملة الشهادات والاوائل المعينين حديثا

البرلمان يشكل لجنة إثر التجاوزات على اقتصاد العراق وأراضيه

بايدن يرفض دعوات الانسحاب من الانتخابات الامريكية : انتظروني الأسبوع المقبل

وفاة محافظ نينوى الأسبق دريد كشمولة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

من دفتر الذكريات

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram