ترتقي قراءة الأدب الجيد بذائقة الانسان وتعزز روحه بالقيم الجميلة وتشير إلى جماليات الوجود التي قد يغفل عنها البشر في خضم سعيهم الدؤوب من أجل البقاء ، قراءة الأدب وابداعات أعاظم الكتاب في العالم تخفف عنا وطأة القمع في مجتمعاتنا ، تمنحنا شحنات إيجابية للتقدم في المسارات الصعبة لزمننا ، وتضيء المنعطفات المعتمة في مواجهاتنا الصعبة من أجل الحرية والجمال ، ويسمو الادب الجليل بالنزوعات الانسانية ويعزز كرامة الانسان وينضج قدرته على مقاومة الخلل وأشكال القمع ويدفع بطموحاته الى سبل التحقق .
كتب الفيزيائي والرسام والروائي الارجنتيني الكبير أرنستو ساباتو في كتابه ( الكاتب وكوابيسه ) : " لاأحد ينام في العربة التي تنقله من الزنزانة الى المقصلة ، لكننا ننام جميعاً من الولادة حتى الموت أو لعلنا لم نستيقظ حقاً ، وإحدى مهام الأدب العظيم إيقاظ الانسان السائر نحو المقصلة .."
مهمة الأدب الجيد لاتنحصر في امتاعنا وتنمية إحساسنا بأهمية الحياة الموهوبة لنا ، بل تتعدى ذلك الى إيقاظنا على حقائق شتى - قبل أن تتبدد الحياة من أيدينا - وتدفعنا لحماية حريتنا وكرامتنا والبحث عن سبل جديدة لتطوير آفاقنا الثقافية والاستفادة من تجارب أدباء العالم الكبار في مواجهة الوجود.
في مقالة طويلة له بعنوان ( لماذا نقرأ الأدب ) يكتب الروائي ( ماريو بارغاس يوسا ) :
( لاشيء يحمي الإنسان من غباء الكبرياء والتعصب والفصل الديني والسياسي والقومي أفضل من تلك الحقيقة التي تظهر دائمًا في الأدب العظيم: إن الرجال والنساء من كل الأمم متساوون بشكل أساسي، وإن الظلم بينهم هو مايزرع التفرقة والخوف والاستغلال.)
يعلم يوسا ونعلم أنه عندما يتسيّد الجهل والخرافة تشتد محاربة الفكر المستنير وتحظرالأعمال الابداعية المبشرة بالحرية والداعية الى مقاومة القمع والتسلط والاستغلال الذي تمارسه الاحزاب المتشددة فكريا ودينيا في كل مكان من عالمنا ، وتشجع تلك القوى المهيمنة أنماطاً محبطة من الادب الرقيع والكتابات الهابطة المتزلفة واشكالاً من المديح البائس للسلطة القامعة مثلما تشجع الفن الهابط ، بينما يقوم رقابيو تلك السلطة من جانب والمشرفون على وسائل إعلامها بنشر التفاهة والسفاهة والخرافة و السلوك الطائفي والتشدد العرقي وتخريب موائل الجمال وإحراق كتب الفكر ومحاربة الفن الراقي لتمكين تلك السلطة من اختراق وعي الحشود وتحييدها و إغراقها بكل ماهو تافه وردئ من الأعمال الادبية والفنية المخدرة .
يقول ماريو بارغاس يوسا :
(لايوجد من يعلمنا أفضل من الأدب أننا نرى برغم فروقنا العرقية والاجتماعية ثراء الجنس البشري، ولايوجد ماهو مثل الأدب ما يجعلنا نكافئ ونمجد فروقنا بوصفها مظهرًا من مظاهر الإبداع الإنساني متعدد الأوجه. )
يهبنا الادب الراقي- مثل أعمال تولستوي وهيرمان هيسه وكازانتزاكي وكاواباتا وخوان رولفو وغيرهم - متعة سامية ، ونعيش معه تجربة أن نكتشف ونعرف أشياء مغيبة عن وعينا تخص عالمنا وأنفسنا وعصرنا بل وكل العصور ، ونتعرف عبر قراءة الأدب العظيم إلى مانحن عليه ونتدبر تحقيق أحلامنا ونتجنب ما يهدد انسانيتنا ، وكم من قصة رائعة او رواية او قصيدة قرأناها واستطاعت أن تفجر في وجداننا توقا للجمال وتشبثاً بالحياة والقيم السامية ، وكم من عمل أدبي سوداوي دفع بنا إلى الكآبة واليأس وكراهية الحياة فخمدت طموحاتنا وماتت نشوتنا بالوجود ؟؟ وتشركنا قراءة الأدب الجيد في التجربة الانسانية وتطلعنا على أحلام واخفاقات اشباهنا والتي قد تكون أحلامنا واخفاقاتنا وقد تجاهلناها وتغاضينا عنها.
لماذا نحب قراءة الأدب؟
[post-views]
نشر في: 25 نوفمبر, 2017: 09:01 م