رواية موجعة خطّها (ع) بدموعه متحسراً على عمره الذي ذبُل وهو يواجه الحياة وأصبح صيداً رخيصاً بين أيدي أناس لم تعرف قلوبهم الرحمة. ففي بيت من بيوت الحواسم، أمضى (ع) حياته تحت سقف لم يذق فيه سوى أنواع من الذل والتعاسة والشقاء مع أمه التي حوّلها موت زوجها باكراً الى بائعة متجولة تتنقل بين الشوارع والأزقة علها تجد من الفتات ما يبقيها وولدها على قيد الحياة..
لكن حتى هذه الفتاة قست عليها الأيام بعد أن تسلل المرض الى جسدها الواهن ليبقى (ع) مشرّداً عند تقاطعات الشوارع وإشارات المرور، حيث لم يجد سبيلاً غير ذلك بوجود أمثاله من الصبية والمشردين من أطفال الشوارع ..
وانضم إليهم ليصبح متسولاً أحياناً ويبيع العلكة وعلب الدخان بعد أن تبناه رجل يدعى (م) على طول الأيام التي تعرف عليه حتى تحول هدوؤه واستكانته الى ثورة من الغضب، هرب بعدها من بيت (م) الذي اغتصب طفولته وأصبح يسلك منذ ذلك الوقت طريق الخطيئة. لم يكن (ع) ذلك المراهق الذي يعتمد على عمله البسيط لكسب الرزق، فقد كان دائم الاندفاع للربح السريع بطريقة وبأخرى.. ولعل تلك كانت نقطة الضعف التي استشفها (ز) بنظراته الثاقبة متفحصاً ثيابه الرثة، مستنشقاً منه رائحة الفقر والضياع.. فكانت بداية التعارف رشفة دخان سكارة. ثم مشروب. ومع المواظبة على تلك الصحبة، بدأ عمله في ترويج بيع نوع من المخدرات لبعض الزبائن على اعتبار أنه صديق لـ (ز).
فكانت مناطق الباب الشرقي والكرادة المكان المخصّص لترويج تلك السموم . ومع مرور الأيام ومع تقدمه في العمل كانت كل قطعة يقوم ببيعها تترك له مكافأة من (ز) وسرعان ما اعتاد على شرب المخدرات فتحول الى مدمن من الدرجة الأولى.. كان (ز) يراقب حركاته بحذر متمتعاً بمشهد الذل والانكسار الذي اعترى (ع) حيث أخذ التعب والإدمان يلوكانه لقمة واحدة. وفي مساء كل يوم كانت السهرات الليلية لا تخلو من ممارسة الفحشاء والأفعال غير الأخلاقية مع الصبية المستدرجين الذين أوعزهم الفقر والحاجة في ذلك البيت العتيق في منطقة البتاوين.
وفي أحد الأيام وكالعادة، كان (م) قد استدرج شاباً صغيراً انتبه لوجوده المتكرر أمام إشارة المرور في تقاطع شارع الكرادة، فاستطاع استدراجه الى منزله لممارسة الفعل المنافي للحشمة وأخبر(ع) بذلك وأبلغه باللحاق به. لكن في هذه الاثناء وعند تواجدهم في المنزل، فوجئ الثلاثة بدورية من الشرطة استطاعت مداهمة المنزل بعد وصول إخبارية من الجيران، الذين كانوا يترصدون ما يحدث في هذا البيت.. فقاموا بالإبلاغ عندما أحسوا أن الأمر أصبح يشكل خطراً على الأمن العام.
فتم القبض على الثلاثة متلبّسين. وبعد تفتيش المنزل عثر على كمية من الحشيش المخدّر ومبالغ كبيرة من الأموال. اعترف (ع) امام المحقّق في مركز شرطة السعدون بتعاطيه وبيعه تلك المواد المخدّرة مع (م) المطلوب بعدّة قضايا سابقاً، منها تهمة التحرش بالقاصرين وبيع وترويج المخدرات وتهريب الأطفال الى خارج العراق.. وقد أسفرت التحقيقات والمعلومات التي جرت سير وقائع الأحداث الى اعتراف الشلة بممارسة نشاطاتها المشبوهة ليساقوا فيما بعد الى القضاء ليقول كلمته الفاصلة والعادلة.