لاحظ عدد من المختصين في الاقتصاد، أن موازنات العراق للسنوات السابقة والسنة المقبلة (2018) تفتقر للتخطيط الستراتيجي، ولم تكن لها أهداف ورؤى لتعظيم موارد الدولة، ولا تتضمن توقعات في ما يخص البطالة والتضخم والفقر.
جاء ذلك في الندوة النقاشية التي أقامتها "مجموعة نحو قيادة اقتصادية" بالتعاون مع رابطة المصارف الخاصة العراقية، بعنوان "حلول لمعالجة عجز الموازنة العامة للسنة المالية 2018". وفيما اثنى مستشار رئيس الوزراء للشؤون المالية د. مظهر محمد صالح، في كلمته على الندوة، بوصفها "تمثل أهمية كبيرة في ظرف يتطلع فيه الرأي العام إلى المستقبل المالي للبلاد"، أوضح أن الموازنات العامة لجمهورية العراق للسنوات المالية العشر الأخيرة بنيت تارة على عجز افتراضي يُغطى تلقائياً عند وجود فائض في الريع النفطي، وتارة على عجز فعلي عندما يحدث عجز فعلي في الريع النفطي.
وأضاف صالح، أنه "بهدف تحقيق التعزيز المالي الذي يعني امكانية التصدي لعجز الإيرادات وتراكم الديون، نحتاج إلى مثبت مالي وهو الإدارة الفاعلة للتعزيز المالي الذي يؤثر بدوره في الاستدامة المالية التي تعني محافظة الحكومة على ايراداتها ونفقاتها بشكل متماسك وليس متباعداً وهذا ما يسمّى بالسيطرة المالية"، مشيراً إلى أن "المثبت المالي هو عملية تستهدف معالجة النقص في الإيرادات وتراكم الديون في الوقت نفسه"، متابعاً بالقول إنه "في السنوات العشر الماضية، كنا نتصدى للعجز الافتراضي والفعلي ولم نتصدَ للعجز الهيكلي، والمثبت المالي قيد موازنة أما يكون سهلاً أو صعباً، ونحن في السنوات الأخيرة استخدمنا قيد موازنة سهلاً، حين خلقنا وضعاً متباعداً بين الايرادات والنفقات، لكن الاستدامة المالية تقتضي تماسكاً بين الإيرادات والنفقات لتحقيق الاستدامة المالية".ونوّه صالح الى المعاناة من "صدور قوانين وتصرفات مالية من خارج الموازنة العامة... ولهذا تراكمت في الموازنة العامة سلف وسحب على المكشوف تقدر بنحو 125 ترليون دينار عراقي بشفافية ضعيفة"، وقال: إن "المشكلة الحالية هي المثبت المالي الهش في ظل مرحلة عجز فعلي، في ظل فقدان موارد التنمية بسبب النفقات الجارية لجأت الحكومة إلى عمليات أخرى خارج الموازنة العامة، لكن من نوع آخر، وهي الضمانات السيادية وهي أيضاً جزء من الهشاشة وتضاف للعبء المالي الذي يزيد الديون ويقلل التعزيز المالي ويضعف الاستدامة المالية".من ناحيته قال مدير عام دائرة العمليات المالية وادارة الدين في البنك المركزي العراقي د. محمود داغر، خلال تقديمه ورقته البحثية (الموازنة في شقها الاستثماري : الحجم والنوعية) أن مشروع موازنة عام 2018، يجري فيه الانفاق ضمن حجم 80 ترليون دينار وبالإيرادات النفطية التي تفترض أن سعر البرميل 43 دولاراً، من ضمنها صادرات اقليم كردستان، وتمويل الإيرادات غير النفطية 12 ترليون دينار"، لافتاً الى أن الموازنة الجديدة ستشبه الموازنات السابقة، ورأى أن أهم حلول لمعالجة عجز الموازنة الالتفاف الى السياحة كونها مصدراً الى الإيرادات، لكنها باتت مصدراً للإنفاق، لافتاً أيضاً الى ضرورة جرد عقارات الدولة، التي قال إن ما يقدّر بـ60% منها من دون جرد و40% هي عقارات مستولى عليها من قبل المتجاوزين والأحزاب، وبالتالي يجب أن تكون هناك قرارات من قبل مجلس الوزراء في هذا الخصوص، كما دعا الى فرض ضريبة المبيعات التي يمكن أن تحقق للدولة موارد كثيرة المردود، "ولا نحتاج الى قروض البنك الدولي وغيره".
وقال معاون الأمين العام لمجلس الوزراء سابقاً، عبيد محل، في ورقته البحثية (سبل النهوض بالإيرادات غير النفطية لتكون المصدر الأول في تمويل الموازنة العامة) إن "الموازنات الاستثمارية للسنوات 2015/ 2016/2017 شملت عجزاً، وهناك مبالغة غير مبررة في حجم العجز، ففي 2015 تم احتساب عجز الموازنة 20 ترليون دينار عراقي، ونهاية العام كان العجز 9 ترليونات دينار عراقي، وأنه في "عام 2016 تم احتساب العجز بقيمة 26 ترليوناً وفي وعام 2017 كان 21 ترليوناً وحتى اليوم لم يتحقق اقتراض داخلي.
عبيد أشار الى ضرورة تحسين الوضع المالي للدولة من خلال طرح السندات في بداية السنة المالية وفي شهر السابع من السنة نفسها والابتعاد عن المغالاة في العجز، وأكد على ضرورة الاهتمام" بالجانب الاستثماري في رفع معدل النمو، وعلى وزارة التخطيط وضع مشاريع يتحقق بها دراسة جدوى وتحدد كلفة المشروع وهذا غير موجود، مشيراً الى وجود الأموال لكن المشاريع لا تحقق شروط العالمية للتنفيذ".
ومن جانبه قال الاكاديمي في كلية الادارة والاقتصاد الجامعة المستنصرية د. ميثم لعيبي، في ورقته (الاطار المتوسط لإصلاح الموازنة العامة.. قراءة في موازنة 2018)، إن "المسودة الأولية لموازنة السنة المالية 2018 تشمل تغييراً في الأرقام عن النسخة القديمة لنفس السنة، ولم يتم ذكر البدائل لنفط كركوك وكيفية تصريفها وسعر الصرف للدولار مقابل الدينار"، مشيراً الى أن "هناك انخفاضاً في النفقات الاستثمارية والتي تُغطى من الموازنة والجزء الآخر من تلك النفقات الاستثمارية تُغطى من القروض، ولم يسلط الضوء ما هذه القروض سواء كانت قروضاً خارجية أو داخلية".
لعيبي لفت الى أن "الموازنة لا تتضمن توقعات العراق، في ما يخص البطالة والتضخم والفقر، والشراكة مع القطاع الخاص ظهر بصورة مبسطة في الموازنة وهذا غير صحيح، كون مؤشرات الشراكة مع القطاع الخاص يجب أن تكون أوسع وتحمل المخاطر مما يتطلب تشكيل وحدة شراكة من رئاسة الوزراء والمالية، وبيّن أن القطاع الخاص كونه شريكاً مهماً في الدولة"، مؤكداً ضرورة وضع قوانين الاستدامة وليس فقرات متفرقة، وجميع الدول تضع قوانين استدامة للدول الريعية".
من جانبه قال المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، في مداخلته إن "الموازنة العامة هي تمويلية ولا تتحدث عن استثمار ولا تتحدث عن طرق لتنمية الموازنة"، ذاكراً أن عام (2014) كان يوجد 6 آلاف مشروع استثماري، قسم كبير منها بلا جدوى اقتصادية وكل الموازنات من عام 2015 ولغاية الآن، لم تضع خطة لتشغيل تلك المشاريع وإكمالها".
من جهته أكد الخبير الاقتصادي ماجد الصوري، خلال الندوة على "ضرورة الانتباه الى عدم اهمال القطاع الخاص كونه شريكاً في العملية الاقتصادية ويمتلك أموالاً كافية يجب أن تجذبها الدولة لإكمال المشاريع وتشغيل الأيدي العاملة، لافتاً الى أن الموازنة لم تذكر إيرادات الغاز، مشيراً الى أن عام 2014، كانت هناك سلف غير مسجّلة وبقيمة 136 ترليون دينار، وفي عام 2015 تناقصت تلك السلف بدرجة كبيرة، مبيناً أن "الضرائب غير المباشرة ليست حلاً بل إن تنمية الصناعة والزراعة وتحول البلد من ريعي الى متنوع وضبط الحدود هو الحل للخروج من الأزمة المالية".
أما عضو اتحاد رجال الأعمال، حسن الزيادي، فقال في مداخلته إن "موازنة عام 2018 اهملت قطاع التأمين حيث توجد في العراق 33 شركة تأمين، 2 منها حكومية و30 شركة تأمين تعود للقطاع خاص، مبيناً أن القطاع الخاص يستطيع إدارة التأمين في العراق والذي يخسر ما يقدر مليار دولار سنوياً، بسبب عدم التأمين، الزيادي، أكد أن المنافذ الحدودية ترفض التعامل مع شركات التأمين، وتأمين احتياجات الدولة إلزامياً وممتلكاتها غير مؤمّنة عكس دول العالم".