في هذه المقالة القصيرة تتحدث الروائية البريطانية نيكولا باركر عن عاداتها في الكتابة، ولدت هذه الروائية في انكلترا عام 1966 لكنها امضت طفولتها المبكرة في قرية قرب ميلتون كينز. وكان أبواها زوجين شابين ينتميان إلى الطبقة المتوسطة، هاجرا عندما كانت في التاسعة من عمرها إلى جنوب إفريقيا، ، وهناك عملت أمها مدرسة في سويتو ، ، وأنهار زواجهما عندما كانت نيكولا في الثانية عشرة، فعادت الأم وابنتها نيكولا إلى بريطانيا، بينما بقى الأب وأخت لها في جنوب إفريقيا.
تمتاز كتاباتها بالطرافة وشخصيات رواياتها اناس عاديين وهي في الحياة كما في الفن تجد نفسها منجذبة إلى الشخصيات الصعبة والتي عانت في الحياة ، والشخصيات التي تبدعها هي شخصيات مكتئبة وبعيدة عن الأمل عن مهاجرين وأرواح ضائعة وشباب غاضبين ، عن اشخاص يعملون كمكافحين للحشرات وسائقين وبستانيين وعاملين في مغاسل المستشفيات وموظفين في مكاتب الأشياء المفقودة. تقول نيكولا باركر انها تعمل على جهاز لاب توب قديم من نوع أبل غير متصل بشبكة الانترنت –وزنه ثقيل و لوحة مفاتيحه تكاد تكون متهالكة بسبب كثرة الاستعمال . وهو ينبهك عندما تكتب كلمة بشكل غير صحيح عندما انتهيت من روايتي الأخيرة كنت أظن أنني بحاجة الى جهاز لاب توب جديد فاشتريت واحدا وبدأت باستخدامه ، ولكنه كان متصلا بشبكة الانترنت. وكان سهل الحمل . لذلك بدأت أعمل وانا ممددة على الأريكة (بدلاً من الجلوس في مكتبي) واصبح الأمر سهلاً كلما شعرت برغبة في الكتابة.
غير أن النص الذي اكتبه بدا مختلفا. أنا لست متأكدة كيف حدث ذلك أو لماذا. لذلك لجأت إلى استخدام لاب توبي القديم مرة أخرى رغم انزعاجي المستمر من عدم كفاءته . فهو بطيء ويثير الغضب حتى أن ساعة التوقيت التي فيه عاطلة على الدوام . اعتقد أن جزءاً في شخصيتي يستمتع بهذه الازعاجات - بل ويرحب بها. نحن دائما نقدر حقا قيمة الأشياء التي نعاني في استخدامها .
أنا عادة لا أعمل في ساعات معينة اعمل ساعات - كثيرة - ولكن ليس بشكل متواصل فأقوم بحشر روايات قصيرة مع الروايات الطويلة وأرسم حولها دائرة ثم أعود إلى الطويلة بعد فترة من الزمن . الروايات القصيرة تكون عادة مثيرة ومبهجة وتستغرق كتابتها عموما حوالي ستة إلى ثمانية أشهر . أما الروايات الطويلة فهي تحتاج الى أبحاث كثيرة وتتطلب سنوات لكتابتها وهي أكثر صعوبة ومعقدة أكثر. عندما أكتب رواية طويلة تغطي مكتبي العشرات من الكتب التي لم أكمل قراءتها . أحيانا أقوم بتدوين الملاحظات بقلم حبر ولكنني نادراً ما أعود اليها. وفي كثير من الأحيان أكتب بعض الخربشات على النص.. و أحب أن استعمل قصاصات ورق لاصقة بألوان مختلفة. عندما كتبت رواية القرنبيط كان يوجد من حولي على مدار الساعة خمسين كتابا تقريبا، كان في داخل كل واحد منها حوالي أربعين أو أكثر من قصاصات الورق الملونة تلك. وأضع خطوطاً تحت النصوص المهمة (كما أقوم أيضا برسم أسهم مدببة حولها أو أرسم ثلاث نجوم حول جملة أو نص معين إذا كان يحتوي على شيء مهم جدا.كما يمكن ان توجد هناك ملاحظات كثيرة تشير الى أن النص غير ملائم ). مع تلك الرواية احتجت إلى أن استرجع بعض من الحقائق /و الأمثال / وحكايات السيرة الذاتية. وفي بعض الأيام، كنت أقضي ست أو سبع ساعات في البحث عن شيء ما ولا أتمكن من تحديد موقعه. وكان ذلك تدميراً نفسياً
الروايات الطويلة تكون عادة مملة وأجد أنه من الصعب الحفاظ على حبكتها في رأسي فلا أتوقف عن العمل يوماً واحداً وتجدني قد اندمجت تماما معها. اقرأها وأعيد قراءتها الى ما لا نهاية، وأقوم بإجراء تغييرات تفصيلية . ويجب أن أراقب مزاجي فإذا كنت مكتئبة قليلا لا بد لي من التوقف عن العمل تماما لأنني سأدمر العمل . عندما أكتبها بابعادها الثلاثة - أتصور الشخصية في مشهد معين ، وكما لو كانت مثل فقاعة صغيرة تكبر أمامي. الى أن تتشكل مساحة المشهد ،والأمر مشابه لما كنت أفعله وأنا طفلة عندما أقوم بجمع دمياتي وأجعلها تتحدث مع بعضها البعض. أنا دائما اقرأ النص بصوت عال. فالإيقاع أمر حيوي.
لكل رواية دفتر ملاحظات مصمم خصيصا لها.و هذه أشياء مقدسة بالنسبة لي. كما تمتلك كل واحدة من رواياتي ملفا يحتوي على مجموعة كاملة من الرسائل والمذكرات والمقالات المأخوذة من المجلات.. وعادة ما تكون أغلفتها مزخرفة ومحفوظة بالبلاستيك اللاصق. وأنا أحب أقلام التضليل الملونة حيث أستخدمها لتضليل الجمل والفقرات المهمة . وعندما أشعر بانتكاسة ما أعود إلى دفتر الملاحظات فيطمئن بالي . فيكون غالبا ما يحتوي على أفكار كنت قد نسيتها تماما.
وأخيراً تعتقد الروائية البريطانية نيكولا باركر أن المعاناة جزء لا يتجزأ من الحياة ومن الحس الأخلاقي، وهي ربما لهذا تحب قراءة سير الحياة المفعمة بالبؤس، وتقول في هذا الصدد: «إنني أعرف أن الكثير من الناس لا يتفهمون ذلك، ويزدرون هذه النوعية من الكتب، ولكنها بالنسبة لي تدعو إلى التواضع، حيث توضح مدى عمق معاناة الناس، وهو أمر أعتقد أنه مهم للغاية».
عن: الغارديان