TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > دلائل الانهيار

دلائل الانهيار

نشر في: 20 نوفمبر, 2017: 09:01 م

يقول ابن خلدون في مقتطفات من مقدمته الشهيرة :"عندما تنهار الدول، يكثر المنجمون والمتسولون والمنافقون والكذبة، وقارئو الطالع والنازل والمتسيسون والمداحون والهجائون وعابرو السبيل والانتهازيون..تتكشف الاقنعة فيضيع التقدير ويسوء التدبير، ويختلط الصدق بالكذب والجهاد بالقتل، ويشح الأمل وتزداد غربة العاقل، ويصبح الانتماء الى القبيلة أشد إلتصاقا،والى الأوطان ضربا من ضروب الهذيان"..لقد وصف في مقدمته التي لاسبيل الى ذكرالكثير منها هنا مايمر به بلدنا حاليا اذ لايجب أن نكابر ونقول إن بلدنا لم يصل الى حافة الانهيار وكل الدلائل تشير الى ذلك..كثرة المتفيقهون وتحول الصديق الى عدو والعدو الى صديق وعلو صوت الباطل وانخفاض صوت الحق..دلائل لاتحصى تجاوزت حتى قدرة ابن خلدون على تصور حال الدول بعد الانهيار، فقد أشار الى ميل المرء الى الانتماء الى القبيلة والالتصاق بها لكنه ربما لم يتصور ظهور شيوخ عشائر يطلق عليهم (شيوخ 56) –ويقصد بذلك شيوخ النصب والاحتيال الذين ينتحلون صفة شيخ العشيرة للايقاع بالمواطنين والحصول على فصول عشائرية..وأشار الى تحول المواطنين الى مشروع لمهاجرين وتحول الوطن الى محطة سفر، لكنه لم يتخيل أن يهون الوطن الى هذا الحد على ابنائه فلايكتفون بهجرتهم منه بل يبيع بعضهم كل شيء فيه مقابل تحقيق منفعتهم الشخصية..دم أبنائه.. أرضه..آثاره التاريخية..نفطه..شرف نساءه وأعضاء اطفاله..
كان ابن خلدون قد أشار الى انتشار المزايدات على الانتماء ومفهوم القومية والوطنية والعقيدة وأصول الدين، وتقاذف أهل البيت الواحد التهم بالعمالة والخيانة بوصفها دلائل على انهيار البلد..نحن نعيش إذن في بلد منهار أصلا فالكل يزايد على الانتماء وحب الوطن والتمسك بالعقيدة ويصبح الدين لديهم ورقة رابحة متى مااقتربت الانتخابات وقد يضعونه على الرف ويرتدون لباس العلمانية اذا ماإقتضت الحاجة الى ذلك..أما العمالة والخيانة فلاتعدو كونها تهما جاهزة مخبئة في ادراج مغلقة وماأن يبدأ السباق الانتخابي حتى تفتح الادراج وتطلق التهم منها فلايبقى أحد من المتواجدين في الساحة السياسية بريئا أو شريفا..ولكن، على الرغم من ذلك، يعودون من جديد ليعتلوا المناصب ويغرفوا ماطاب لهم من خيرات البلد..
لو كان ابن خلدون موجودا بيننا..ربما كان سيؤلف مقدمة أخرى عن مسؤولين يحتفلون باسبوع النزاهة ويتشدقون بخطابات عن مطاردة الفاسدين والبدء بالحيتان الكبيرة بينما تسبقهم أموالهم المهربة الى الخارج ليلحقوا بها في حال خروجهم من الحلبة وركونهم الى الراحة والاسترخاء في البلدان الاخرى، وآخرون يتباكون على سوء أوضاع النازحين وهم يستقبلون فصل الشتاء بينما يساومون على شراء المناصب بالأموال المخصصة لإعمار المدن ومساعدة النازحين..لو كان ابن خلدون موجودا، ربما كان سيؤلف مجلدات عن تطور وسائل وطرق تدمير الدول من الداخل عبر إبقائها تحت رحمة حكومة تنهش قوتها سيطرة الاحزاب ويزعزع أركانها تغلغل الفساد في جميع مفاصلها..ونفوس أبنائها...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

 علي حسين عزيزي القارئ.. هل تعرف الفرق بين المصيبة والكارثة؟، المصيبة يمكن أن تجدها في تصريح السياسيين العراقيين وجميعهم يتحدثون عن دولة المؤسسات، وفي الوقت نفسه يسعون إلى تقاسم المؤسسات فيما بينهم تحت...
علي حسين

أزمة المياه في العراق وإيران: تحديات جديدة للاستقرار الإقليمي

د. فالح الحمــراني حذرت دراسة أعدها معهد الشرق الأوسط في موسكو من ان أزمة المياه بإيران والعراق المتوقعة في نهاية هذا العام قد تفضي الى عواقب بعيدة المدى، تؤثر على الاستقرار الاجتماعي في المنطقة،...
د. فالح الحمراني

العراق.. السلطة تنهب الطقس والذاكرة

أحمد حسن على مدار عشرين عاما، تحولت الثقافة في العراق إلى واجهة شكلية تتحكم بها مجموعات سياسية تدير المجال العام كما تدير المغانم. وفي ظل هذه الوضعية لم تعد الثقافة فضاء لإنتاج الوعي أو...
أحمد حسن

لماذا تهاجم الولايات المتحدة أوروبا بسبب حرية التعبير؟

فابيان جانيك شيربونيل * ترجمة : عدوية الهلالي «أعتقد أنهم ضعفاء. الأوروبيون يريدون أن يكونوا ملتزمين بالصواب السياسي لدرجة أنهم لا يعرفون ماذا يفعلون." لفهم الموقف الأمريكي تجاه القارة العجوز، يصعب إيجاد تفسير أوضح...
فابيان جانيك شيربونيل
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram