أكد مختصون في الشأن الاقتصادي أن الأمن الغذائي في العراق اصبح هشاً ومهدداً لحياة السكان، فبعد أن كان البلد مكتفياً بإنتاجه من المحاصيل الزراعية والثـروة الحيوانية، تحوّل الآن الى بلد مكشوف غذائياً يستورد معظم غذائه، بسبب الحروب المتتالية وسوء الإدارة الحكومية للقطاعات الاقتصادية، وأخيراً، تفشي الفساد الاداري والمالي على نطاق واسع في دولة ما بعد 2003، وبحسب تقارير عالمية فإن 53 % من سكان العراق و66 % من النازحين داخلياً معرضون للمجاعة.
وقالت عضو لجنة الزراعة والمياه النيابية شروق العبايجي لـ(المدى)، إن "الأمن الغذائي من أولويات سياسيات جميع دول العالم بسبب التحديات التي تواجه سكان الكرة الأرضية كنتيجة لزيادة عدد السكان والتغيير المناخي وشح المياه، مضيفة أن "موازنة العام المقبل 2018، تخلو من ستراتيجية للأمن الغذائي ولا توجد خطط مستقبلية توضّح كيفية تأمين الأمن الغذائي في العراق، خصوصاً مع انتشار ظاهرة الفقر والنازحين وانتشار البطالة، مشيرة: الى أن 53% من السكان و66% من النازحين داخلياً معرضون لانعدام الأمن الغذائي بحسب احصاءات لتقارير عالمية".
العبايجي بيّنت، أن أهم أسباب ضعف الأمن الغذائي في العراق هو الاضطراب في الوضع الأمني وضعف قدرة الأجهزة الأمنية والرقابية بكل تشكيلاتها على ضبط إيقاع حركة السوق بقطاعيها الإنتاجي والاستيرادي وبخاصة الجهاز المركزي للتقييس والسيطرة النوعية ودائرة مكافحة الجريمة الاقتصادية وأجهزة الرقابة التجارية والرقابة الصحية واستمرار هبوط المستوى المعيشي للمواطنين، لافتة: الى أن "موازنات العراق وخططه تراجعت من الخطط الخمسية أو خطط الأربع سنوات الى وضع خطة سنوية، مشيرة الى "ضرورة الاستعانة بمنظمات دولية لوضع خطط لستراتيجية الأمن الغذائي"، مؤكدة أن "الأسعار العالمية للسلع والمنتجات متغيرة وتوفير الأمن الغذائي يعتمد على الحد الأدنى للسلع المحلية في البلد، والمنعدمة تقريباً في العراق".
العبايجي أكدت ضرورة البدء بتحسين الواقع الزراعي وتحسين نشاط السوق المحلي، كونها عملية اقتصادية متكاملة للأمن الغذائي بدءاً من الزراعة والصناعة والنقل"، مؤكدة إن الفساد يتحكم بالأمن الغذائي ويعرقل تنفيذ الخطط التي توضع لمصالح الأحزاب والتي قضت تماماً على مقومات توفير الأمن الغذائي"، لافتة الى أن "الموازنة التي وضعت لعام 2018 هي موازنة رقمية تخلو من الخطط الستراتيجية في ما يخص الزراعة والصناعة، وعبارة عن مجموعة أرقام فيها واردات نفط ولكل قطاع حصته منفصلاً عن القطاع الآخر، مؤكدة إن الأمن الغذائي مهدد ويكاد يختفي لأننا بلد مستورد لأبسط السلع المحلية، والسوق المحلية تغرق بالسلع المستوردة، والزراعة منحسرة ناهيك عن الأزمة المالية التي يمر بها البلد".
من جهته قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي د سعد التميمي لـ(المدى)، إن "الأمن الغذائي منعدم في العراقي، بسبب انحسار الزراعة والصناعة وازدياد الاستيرادات العشوائية والتي اكتسحت السوق بأسعارها الرخيصة مقابل ارتفاع اسعار المنتج المحلي الذي يكاد يكون نادراً"، لافتاً الى أن "الخطط الحكومية في ما يخص الأمن الغذائي هي حبر على ورق وغير منفذة ".
التميمي يضيف: الأمن الغذائي أحد دعائم الأمن القومي، فمن دون أمن غذائي لا يتحقق إلا من الوطني"، مشيراً الى أن "اعتماد العراق في غذائه على 65% من المواد المستوردة سواء المحاصيل الزراعية أو اللحوم، يعني أن البلاد مهددة في أمنها الغذائي، رغم امتلاكها لمقومات الزراعة ما يؤشر خللاً في هذا القطاع يتوجب أن تتصدى له الأجهزة الحكومية والمنظمات المجتمعية".
وبدوره يقول الخبير الاقتصادي عبد الرحمن المشهداني لـ(المدى)، إن "توفير الأمن الغذائي يبدأ من دعم الزراعة وتحجيم استيراد المحاصيل الزراعية المنتجة مثلها في البلاد، وكذلك اللحوم، وتسديد وزارة التجارة لمستحقات الفلاحين والمزارعين واعمار السدود والخزانات المائية والقضاء على الملوحة والتصحّر، الى جانب دعم الفلاحين والمزارعين من خلال توفير المكننة وتقنيات الزراعة الحديثة والبذور المحسّنة والمطوّرة جينياً مع اطلاق القروض والفرص الاستثمارية لزيادة الإنتاج وتوفير مساحات عمل جيدة تسهم في القضاء على البطالة"، مبيناً أن "منطقة الجزيرة تمتلك ثروة حيوانية مهمة من المواشي، بالإضافة الى الأراضي الزراعية الديمية، وإن سكان تلك المناطق بحاجة الى مشاريع زراعية بسيطة كالبزول والطرق المعبّدة الموصلة الى المدن والتجمعات السكانية، فضلاً عن معدات التقنيات الزراعية الحديثة لتطوير واقعهم الإنتاجي".
المشهداني أضاف، أن العراق يمتلك نحو 22.1 مليون دونم صالحة للزراعة الإروائية ونحو 9.4 ملايين دونم صالحة للزراعة الديمية، وإن اغلب المناطق المحررة تقع ضمن قاطع الجزيرة التي تعتمد على الزراعة الديمية والتي يمكن أن تسهم بشكل فاعل في ادامة الأمن الغذائي عبر انتاجها الحنطة والشعير، ما يتطلب أن تضع وزارة الزراعة خططها للنهوض بواقع هذه الاراضي ومساعدة الفلاحين للاستمرار بالإنتاج لرفد البلاد بالمحاصيل الستراتيجية".
المشهداني أوضح: أن نمو القطاع الزراعي سينعكس على القطاع الصناعي، إذ أن اغلب المحاصيل تعد مواد أولية لمنتجات الصناعة الغذائية كالطماطم والبطاطا وجميع الفواكه واللحوم بأنواعها والحبوب، لافتاً: الى أن "التنوع والتنافس في القطاع الزراعي يوفر بيئة اقتصادية سليمة توجّه الأموال نحو استثمارات مفيدة تنعكس ايجابياً على الاقتصاد القومي".
يشار الى أن تقريراً مشتركاً لبرنامج الغذاء العالمي والحكومة العراقية، اعلن في وقت سابق أن "أكثر من نصف سكان العراق معرضون لخطر انعدام الأمن الغذائي، وثمة حاجة عاجلة إلى 113 مليون دولار لتغطية احتياجات حتى نهاية عام 2017، التقرير اعتبر أيضاً أن "مستوى الضعف في الأمن الغذائي يتطلب من الحكومة وصنّاع السياسة والعاملين في المجال الإنساني العمل من أجل تحسين حالة الأمن الغذائي".
وجاء في التقرير، الذي أُعدّ قبل الهجوم الأخير في الموصل ولا يشمل حالة الأمن الغذائي بين السكان الفارين من مناطق الصراع- أن 2.5% من العراقيين يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي، وهو مستوى من العوز يستلزم تقديم الدعم، وأشار إلى أن نحو 75% من الأطفال دون سن 15 عاماً يعملون لمساعدة أسرهم بدلاً من تلقيهم التعليم.
وجرى جمع البيانات بالتعاون مع الحكومة العراقية، واختتم بنهاية عام 2016، وشمل المسح أكثر من عشرين ألف أسرة عراقية في المناطق الحضرية والريفية، من بينها هؤلاء الذي نزحوا داخلياً والذين ما زالوا يعيشون في منازلهم.
ومن بين نتائج التحليل، أن 53% من السكان و66% من النازحين داخلياً معرضون لانعدام الأمن الغذائي.
وارتفع معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي إلى الضعف بين الأسر النازحة داخليا مقارنة بالأسر الباقية في منازلها، وكان أعلى تركيز للأسر التي تعاني من انعدام الأمن الغذائي في الجزء الجنوبي من البلاد، ولا سيما في شمال المثنى وأجزاء من صلاح الدين.