يمثل الكبير المعلم بدري حسون فريد أحد أركان المسرح العراقي المهم وقد يكون من الأجيال الاولى التي درست المسرح بشكل أكاديمي وعلمي خارج البلاد، عاد لنا يحمل مشروع ( الصوت حياة) كمدرس في أكاديمية الفنون الجميلة ، ظل وفياً ومخلصاً لمشروع الفن الإنساني ولم يهادن أو يضعف أمام كل المغريات السياسية والاقتصادية وتمظهراتها داخل المجتمع العراقي، لم يقف يوماً متوسلاً أمام باب السياسي ، أو مستجدياً عطف أحدهم، ظل شامخاً في فنه ومواقفه لأنه يعرف قيمته في بلد لا تحترم حكومته مكانته.... من أسعد أيامي عندما كنت طالباً في كلية الفنون الجميلة ، حين ناداني المعلم لأكون أحد الممثلين معه في مسرحية( ألف خطوة و خطوة) ومن بعدها قدمت معه العمل المهم ( ردهة رقم ستة) عن قصة لتشيخوف، وقد أكون من المحظوظين بان شاركت ممثلاً بآخر عملين أخرجهما استاذ بدري قبل مغادرته العراق باتجاه ليبيا، ولمكانته الكبيرة في داخلي أهديته عملي الإخراجي الأول( بعيدا بانتظار الضوء) وكان حينها في ليبيا يُدرس في أحد جامعاتها، وشاءت الصدف أن ألتقيه مجدداً في الرباط ،بعد اغترابي في هولندا ومحطته المغربية، حيث أحاطوه المغاربة بمحبة كبيرة كعادة هذا الشعب النبيل ، في الرباط كنت طالباً للدراسات العليا ، تقرّبت من المعلم اكثر، كنت شاهدا على انتكاساته الصحية المتكررة و تعب جسده و وهنه الذي لم يستطع تحمله، تعبت عيناه وظلت روحه تسكن الوزيرية حيث كلية الفنون الحميلة ... كتبت عنه مقالة نقلت فيها وضعه المتعب في سكنه الرباطي والذي لا يليق بقامة كبيرة مثله، وعزاؤه محبة وكرم المغاربة له.... في ليلة رباطية ممطرة اتصل بي الشاعر فراس عبد المجيد ، يخبرني بسوء حالة المعلم اتفقنا أن نلتقي هناك ، أخذنا طبيباً خاصاً معنا، كان يعاني كثيرا ، لكنه أبيٌّ وشامخ... هذه الانتكاسة الصحية كنت سببا بإقناع المعلم بالعودة الى العراق ....قبل الرحيل أهداني ( سلهام مغربي - عباءة) كان قد وشح بها عند تكريمه من قبل المعهد العالي للفن المسرحي في الرباط، مازلت احتفظ بها ، لعلها تحميني من برد تمظهرات الوضع العراقي.... رحل العملاق وظلت عباءته شاخصة أمامي كوثيقة تشير الى محطتنا الرباطية، سيدي ومولاي.... عشت ومتّ شامخا ولم تقف كما وقف غيرك على أبواب الساسة، متوسلاً فتات موائدهم.....
عشت ومتّ شامخاً سيدي بدري حسون فريد
نشر في: 21 نوفمبر, 2017: 12:01 ص