قاوم المرض، وصارع الموت آملاً من خلال ذلك الحياة، كما قاوم وجع الواقع بالمسرح والفن والجمال، إلا أن الحرب التي نخضوها ضد الموت غالباً ما تكون خاسرة، فهو عدوٌّ مُحتال يأخذنا إليه دون درايةٍ منا....
رحل رائد الفن العراقي بدري حسون فريد عن عمرٍ يُناهز الـ90 عاماً، مساء يوم الجمعة الفائت المصادف 17 تشرين الثاني 2017، لم يترك خلفه سوى دموع مُحبيه، وتلامذته، وسيدةً تشاطرت معه جمال الفن والحياة، وكلماتٌ جميلة أرثته، وأعمال كبيرة لم تغب عن ذاكرة الجمهور حتى اليوم، فإسماعيل جلبي مازال قابعاً في روحية الجمهور المتابع لمسلسل النسر وعيون المدينة....
بدري حسون فريد لم يكن إسماً في تأريخ الفن العراقي، بل كان جانباً من تأريخ الفن العراقي، ويُمكننا التأكيد بأنه الجانب المهم جداً الذي صنع للفن العراقي تأريخاً، عاش مؤخراً حياته مُبتعداً وسامياً بذاته عن إبتذال ما يُقدم من بعض الأعمال، ورحل كما يرحل العظماء في بلادنا بما لا يليق بهم....
لم يحظَ الراحل سوى بحفل تأبيني أقامته دائرة السينما والمسرح، بحضور شخصيات ثقافية، وفنية، ولم يكُن للثقافة والدولة العراقية دورٌ يُذكر سوى إرسال ممثل عن رئاسة الوزراء العراقية...
خلال كلمة مدير عام دائرة السينما والمسرح إقبال نعيم أكدت " أن الراحل قدم الكثير للفن العراقي وللفنانين، سواء من خلال مواقفه الخاصة بالواقع الفني، أو الانساني." مُشيرةً "أن بدري حسون فريد كان العراب في حلقة الفن العراقي، الذي طالما إكتشف مواهب فنية جديدة، ورشح عددا من الفنانين للعب الكثير من الادوار المهمة، وقد نال العديد من الفنانين بسبب هذا الرجل صفة لعب أدوار مهمة، خسارته كبيرة، رُغم أن تأريخ الفن ربح الكثير مما قدمه هذا الرجل."
الصديق، والمعلم، الذي تشاطر معنا الحياة، وتقاسم معنا الفن، التلفزيون المسرح، حين يُرثى على لسان صديقه يكون الوضع مختلفاً تماماً، حيث يذكر المخرج المسرحي سامي عبد الحميد علاقته بالراحل من خلال مرثيته التي قرأها خلال حفل التأبين مُلخصةً " إن الفن اليوم بحاجة لهذا الرجل، بحاجة لعمق وبعد نظره الفني، بل نحن اليوم في أزمتنا الثقافية والفنية بأمس الحاجة بأن تُبعث الروح من جديد لأجساد عظمائنا، فاضل خليل، بدري حسون فريد، يوسف العاني، والآخرين، إلا أن يدّ الموت باتت تطول أجسادهم وأرواحهم على غفلةٍ منا جميعا لنتفاجأ بكل صباح بأن نرثي بصمت وخجل قامة كبيرة من قامات الثقافة والفن."
شهد التأبين أيضاً حضور مدير عام وزارة الشباب والرياضة فائز طه سالم الذي أكد "أن رحيل القامات العراقية المهمة وبهذا الشكل المتوالي أمر أليم وخطير، فهذه المرحلة بحاجة إلى نُصح وتوجيه هؤلاء المعلمين، رغم أننا لا يمكن أن ننكر إن البركة بحضور أبنائنا وشبابنا الفنانين الجُدد الذين مازالوا يبذلون جهوداً حثيثة من اجل الحفاظ على مستوى الفن العراقي."
وأضاف سالم "إن بدري حسون فريد لم يرحل فهو حاضر وبقوة من خلال أعماله التي علقت بذاكرتنا في النسر وعيون المدينة، ومركب بلا صياد، والساعة الأخيرة، وأعمال كثيرة شارك فيها وأخرج وصنع بعضها، نأمل فقط من الجيل الحالي والقادم أن يكون فاعلاً في تقديم أعمال من شأنها أن تُخلد الراحلين."
خُتم الحفل بكلمة لزوجة الراحل، وشريكته في حياته، وفي مشوار فنه الذي شاطرته إياه على مدى "خمسين عاماً" كما ذكرت الفنانة ابتسام فريد التي لم تُسعفها الكلمات وتغلبت عليها الدموع، حين تحدثت عن مشوارها الفني والحياتي مع الراحل.