adnan.h@almadapaper.net
ما كان يُمكن إلّا أن تؤول الأمور إلى ما انتهت إليه أول من أمس في بلدة راوة العراقية، آخر معاقل داعش في العراق، فليس من المقدّر لعصابة إرهابية، مهما بلغ حجمها ووحشيتها، أن تغلب دولة.
"النصر" الذي حقّقه داعش قبل ثلاث سنوات ونصف السنة، إنّما حصل لأنه لم تكن في العراق يومها دولة. كان هناك في الواقع كيان يتشبّه بالدولة تقف على رأسه عصابة من "سياسيين" متنازعين على المال والسلطة والنفوذ، انصرفوا إلى صراعهم هذا مخلّفين الدولة وراءهم، فلم تكن ثمة دولة لتقف في وجه العصابة القادمة من وراء الحدود بدعم مباشر وغير مباشر من أنظمة الحكم في سوريا وتركيا وقطر وسواها.
كان الفساد الإداري والمالي في "دولة" ما قبل 14 حزيران 2014 قد نخر كيانها في العمق، ما جعل قوات مسلحة كثيرة العدد مجهّزة بالأفضل من العدّة والعتاد تغدو في الهزيمة كالغزال أمام بضع مئات من شذّاذ الآفاق، بسبب فساد قيادات تلك القوات.
بتحرير راوة يكون العراق قد تحرّر من داعش جغرافيّاً، بيد أنّ خطر هذا التنظيم الإرهابي وسواه يظلّ قائماً طالما بقي الفساد على حاله. وهذا ما يقرّره مركز "جين" لدراسات الإرهاب والاعمال المسلحة (مقره في ميونيخ) في أحدث تقرير له، فهو يحذر في هذا التقرير من أنّ هزيمة داعش في مناطق سيطرته في العراق وسوريا لن يُنهي التهديد المستمر الذي يمثله محلياً أو دولياً، بل قد يدفعه إلى تكتيك جديد لبناء "دولة ظل" في ذات المناطق التي خسرها.
وقال رئيس المركز مات هينمان :"لقد صورت الجماعة الإرهابية خسائرها في الأراضي كجزء من معركة طويلة الأمد ضد الصليبيين والقوى المرتدة، وسوف تهدف إلى الاحتفاظ بالقدرات لإعادة التنظيم عبر حملة أوسع لاستعادة الأراضي التي فقدت وتوسيع حدودها".
وحذّر هينمان من أنّ هزيمة داعش إقليمياً "ستعجّل بظهور صراعات بين القوى التي شاركت في دحره، سواء في العراق أو سوريا، مما سيؤدي إلى المزيد من انعدام الأمن وعدم الاستقرار، وبالتالي إعادة تهيئة الظروف التي سيستغلّها التنظيم لتسهيل عودة ظهوره الإقليمي مرة أخرى".
وفي وقت سابق من العام الحالي لفتت منظمة الشفافيّة الدوليّة إلى أنه لا يمكن أبداً هزيمة داعش ما لم يتمّ التعامل مع ظروف الفساد التي تساعد التنظيم على النمو والتمدّد.
وقالت المنظمة في تقرير صدر في شباط الماضي إنّ التنظيم استغلّ الفساد لنشر التطرّف والتجنيد، مقدّماً نفسه على أنه العلاج للفساد بينما يسعى لستر أنشطته غير الشريفة.
وصرّحت مديرة برنامج الدفاع والأمن في المنظمة، كاثرين ديكسون، بأنّ "الإخفاق في استيعاب ذلك يقوّض الجهود الرامية لمعالجة صعود التطرّف العنيف."، وشدّدت على أنّ "الفساد تهديد أمني حقيقي، وأكثر من مجرد وسيلة تتّبعها النخبة الحاكمة لملء جيوبها. إنّ الحكومات الفاسدة ، بتأجيجها غضب الناس وتقويض المؤسسات، إنما هي، في النهاية تصنع أزماتها الأمنية".
كان من اللازم تجنيد كلّ القوى وتعبئة كلّ القدرات للوصول الى يوم راوة، بيد أنّ راوة والفلوجة والموصل، وحتى بغداد، ستظلّ مهدّدة بداعش وسواه من دون الشروع منذ الآن بحملة وطنية كبرى ضدّ الفساد، تُجنّد فيها القوى وتعبّأ القدرات كلّها، على غرار ما جرى على الجبهة العسكريّة.