بقدر الفرح الكبير الذي غمرَ نفوس الجماهير الرياضية العراقية عقب نجاح كرنفال المباراة الكبيرة التي جمعت فريقي القوة الجوية والزوراء للظفر بكأس السوبر2017، وما يبعث ذلك من طمأنة لمرتقبي رفع الحظر الدولي بأن حضور أكثر من 30 الف متفرّج اسهموا ببسط إجراءات أمن الملعب وسلامة اللاعبين والحكام يمنح اتحاد كرة القدم شهادة التميّز بالتنظيم وفق الشروط الدولية، بقدر الفرح هذا، لم تخل المباراة من منغّصات أحزنت قلوب انصار التشجيع النظيف وبعثت برسالة خطيرة لابد من تدارك تبعاتها وعدم إهمالها، وإلا ستنسف جهود وحملات الوزارة والاتحاد، وسنستعيد الحظر بإرادتنا!
بالرغم من مضي أربعة عقود ونيف على انطلاق بطولة دوري الكرة العراقي الممتاز ونيران المنافسات التي تلظى بها الزوراء البطل (13) مرة وغريمه القوة الجوية (6) مرات، وما تخللتها من حروب إعلامية طاحنة بين إدارتي الناديين في أزمنة غابرة، انتقلت الى المدرّجات عبر هتافات مسيئة لكليهما، إلا أن المرحلة الراهنة وما تنتظر كرتنا من اختبارات رسمية حقيقية أمام الاتحادين الدولي والآسيوي، تتطلّب قيام وزارة الشباب والرياضة واتحاد كرة القدم بحملة توعية واسعة لإجهاض هتافات الجمهور المحرّضة على الكراهية، والصريحة بفحواها السياسي، والممنهجة وفق أجندة تختار التوقيت المناسب، ولغرض مريب!
وللمصادفة، فقد أعلن رئيس رابطة الليغا خافيير تيباس أمس الأول الجمعة، أنه في حال استمر جمهور برشلونة إطلاق هتافات عنيفة ورفع شعارات سياسية فلا مناص من اتخاذ إجراء بغلق ملعب الكامب نو!، وهو ما حدث بالضبط أمام مسمع نائب رئيس اتحاد الكرة علي جبار وعدد من الأعضاء الذين اشرفوا على مباراة الجوية والزوراء، فقد كرّر جمهور القوة الجوية أكثر من مرة وفي مناسبات مختلفة هتافه (شلع.. قلع .. زوراء بعثية) بينما يرد جمهور الزوراء عليه ( شلع .. قلع .. كلهم حرامية) من دون أن يتحرّك الاتحاد لتضمين فقرات جديدة في لائحة الانضباط تفرض عقوبات مشدّدة ليس أقل من غلق الملعب أمام الجمهور لعدد من المباريات مع خصم نقاط من رصيده في حالة التكرار، فالغرامات لم تعد تنفع أمام هكذا سلوك خطير يُثير الكراهية والحقد بين الشباب.
إن هتاف جمهور الجوية سياسي مَحَض، إذ يتهم نادي الزوراء بالاسم أنه يعود الى حقبة سابقة كان يديرها أحد أركان النظام السابق، ويقع ضمن الشعارات السياسية التي ينبذها الاتحاد الدولي لكرة القدم، بل ويعدها رئيسه جياني أنفانتينو "بذرة" الشغب المنبوذ في لوائح كرة القدم التي تحثّ اللاعبين والجمهور على احترام اللعبة والمساهمة في اللعب النظيف والمؤازرة بسلوك مساعد للحكم على قيادة المباراة الى برّ الامان، وصدقاً لو علم انفانتينو بذلك لطالب باستبدال لافتات الشكر وصوره مع الوزير عبدالحسين عبطان في ملعبي البصرة وكربلاء بإعلانات عريضة تحظِر شغب الهتافات وتقرّب الجماهير بسلام وأمان.
والشيء بالشيء يذكر، إن إطلاق جمهور الزوراء هتافات تجرّد المقابل من صفة النزاهة وتدينه بالسرقة، يعد تصرّفاً مرفوضاً قطعاً، ويتوجّب على إدارة الناديين الاجتماع الفوري برابطتي الجماهير لبيان خطورة ما يردّده المشجعون كي تتحملا المسؤولية الاخلاقية والقانونية أمام أيّ خرق مستقبلاً، كون الجمهور عنصر رئيس في منظومة الكرة ولا يمكن عزل تأثيره عن أجواء المسابقة.
أكيد أن رهاننا يبقى صائباً على عدد كبير من انصار ناديي القوة الجوية والزوراء ممن يتمتعون بثقافة عالية، بإمكانهم أن يغيّروا من سلوكيات شاذة تعبث بها نفوس شيطانية لا تقوى على التراحم فيما بينها والإيمان بأن الكرة فرصة للهو والتسابق والشعور بالتفوق الذاتي خلال 90 دقيقة يختلف البعض خلالها بنقاشاته الحماسية وولائه لهذا الفريق أو ذاك، لكن يجب أن تسمو العلاقات الانسانية بين الجميع لأننا أبناء العراق وتهمّنا سمعته أمام الآخرين وهم يتابعون واحدةً من أقوى المباريات في المنطقة، وبالنتيجة يستحق الفائز المباركة على ما بذل وحصد، وللخاسر القول الحسن للاستفادة من الأخطاء والثغرات.