وصلني قبل فترة فيديو عن مدرس باكستاني ينقل من مدرسته فيتلقى طلبته الخبر كوقع الصاعقة ويحيطون به وهم يبكون بكاءً مراً..كان الطلبة في أجمل هيئة وهم يرتدون زياً موحداً انيقاً ويعكسون صورة لطيفة عن مدارس تهتم بالطلبة وأساتذة يحصدون حب الطلبة واحترامهم مقابل مايقدمونه لهم من عطاء وحنان..ذكرني الفيديو بمدارسنا القديمة..ليس بازياء طلبتها بل بسلوك المعلمين والمدرسين فيها ونوع العلاقة بينهم وبين طلبتهم..كانت هناك صور مشابهة إنْ لم تكن أكثر جمالاً من تلك الصورة التي نقلها لنا الفيديو عن المعلم الباكستاني..ماالذي حدث لنا؟..كيف انقلبت بنا الأحوال ليساق الطلبة المتسربين من مدارسهم إليها بالاستعانة بالقوات الأمنية؟!
حدث هذا مؤخرا في بعض مدارس بغداد ويحدث على الأرجح في مدارس المحافظات ايضا، ففي الدروس الأخيرة يتقلص عدد الطلبة وتخلو الصفوف منهم لتمتلأ بهم المقاهي وقاعات البليارد، وقد تقدم لهم المقاهي مايشغل أذهانهم ويبلد احساسهم من انترنت ومواد مخدرة فتبعدهم أميالا عن الاهتمام بالمدرسة والدرس ولايكون تدخل الجيش لاعادتهم الى المدارس بناءا على طلب مدراء المدارس رادعا كافيا لهم منذ أن اوقفت وزارة التربية قرار فصل الطلبة بسبب تكرار الغيابات مراعاة لمعاناتهم من الظرف الأمني فأمعن الطلبة في استغلاله لصالحهم..
يتذرع الطلبة بحجج أن المدارس لم تعد تقدم لهم شيئا منذ أن أحجم المدرسون عن بذل كل جهودهم التدريسية والتربوية بهدف حث الطلبة على الاستعانة بهم للحصول على دروس خصوصية كما يشيرون أحيانا الى استخدام المدرسين للعنف والاهانة، بينما يلقي التربويون باللوم على الجيل الجديد الذي يقضي وقته متسكعا بين وسائل التواصل الاجتماعي..اعتقد إن ماحدث معنا لايلام فيه الاساتذة أو الطلبة فهم نتاج مرحلة تغلبت فيها مصلحة النظام على مصلحة الأمة وصار التفكير في مصلحة الحاكم أكثر من التفكير في مصلحة الناس..وعندما تسري هذه النظرية في بلد ما، تبدأ أركانه بالانهيار شيئا فشيئا..
في العراق، شمل الانهيار كل شيء بدءا من المنظومة الاخلاقية والكيان الأسري وليس انتهاءً بالتعليم الذي انهارت بانهياره مفاهيم عديدة كانت سائدة منها اعتماد الطالب على المادة المقدمة من المدرسين واخلاص المدرس في بذل كل جهوده لمساعدة الطلبة على استيعاب المواد الدراسية وغياب الغش والكذب وعدم انتظار الطالب وسائل مساعدة كالدور الثالث او(الوساطات) أو القبول في الكليات الأهلية وما الى ذلك..صار التعليم في بلدي مثل بدلة فضفاضة تهديها الدولة لطلبتها ليستروا بها عورات نظامهم الفاشل، ولايهم أن تكون مناسبة لمقاساتهم او لائقة على أجسادهم..المهم انها هبة من الحكومة وانجاز تتباهى به في حملاتها الانتخابية بينما يعتبره العالم كله واجبا أساسيا من واجبات الدولة اذا كانت تبغي تفضيل خدمة المواطن على مصالحها الشخصية..
مدارس..ومقاهٍ
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2017: 09:01 م