اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > وجوه يملؤها الضوء

وجوه يملؤها الضوء

نشر في: 17 نوفمبر, 2017: 09:01 م

يقولون إن الولد سر أبيه، نعم، قرأتها كثيراً هنا وهناك، لكن المعنى الكامل لها لم يظهر جلياً أمامي سوى حين توقفت أمام الملصق الكبير الذي وُضِعَ امام بوابة المتحف الروسي بمدينة ملقا، ليعلن عن معرض كبير ومهم للرسام الروسي ألكسي جاولينسكي وابنه اندريه جاولينسكي! يالها من فرصة عظيمة أن أشاهد أعمال واحدٍ من اعظم التعبيريين في العالم، بجانب أعمال ابنه الرسام المهم الذي لم ينل شهرة ابيه. ابتدأ المعرض بلوحات جاولينسكي الأب (١٩٦٤-١٩٤١) الذي استهله ايضاً ببورتريت لأبنه وهو بعمر خمس سنوات، ابنه الذي ستظهر لوحاته فيما بعد في ذات المعرض. وهذا البورتريت الذي اعطاه عنوان (أندريه الجالس) رسمه بألوان تعبيرية ومعالجة سريعة تَنِمُّ عن عاطفة كبيرة. وبجانبه عُرِضَت لوحة (المصنع) حيث الدخان يتطاير من المدخنة العالية ليمتزج بالسماء البرتقالية، بينما تستقر الاشجار الداكنة في خلفية اللوحة.
تظهر بعد ذلك مجموعة من البورتريهات أو الوجوه التي رسمها على شكل بقع ومساحات من اللون والخطوط المختزلة، وقد تميزت بعيونها الجاحظة وألوانها الصريحة. ثم بدأت الوجوه تأخذ منحاً آخر، لتبدو في لوحات اخرى أكثر إسترخاءً وهدوءاً وإستقراراً، بخطوط عريضة سوداء تحدد الملامح. وهذه التقنية تعيدنا هنا الى تقنية الحفر على الخشب التي ميَّزَتْ التعبيرية بشكل عام. وتظهر أيضاً في هذه اللوحات بعض التحريفات التي قام بها الفنان على وجوه الشخصيات. يالها من وجوه مُشِعَّةٍ يملؤها الضوء، ولم يكن اعتباطاً أن يمنح واحدة من أجمل وجوه النساء هذه، عنوان (الضوء يأتي منها).
وفي مرحلة اخرى يسحب جاولينسكي هذه الوجوه الى منطقة جديدة، وكأنه لا يريد أن يغادرها إلّا بعد أن يستخلص كل طاقتها الجمالية، وهنا قرَّبها اكثر من التجريد اللوني الذي يذكرنا بكاندينسكي وربما ديلوني ايضاً، حيث ظهرت بقع لونية تشبه دوائر متداخلة مع بعضها في تناغم يقترب من الموسيقى. وبما أن مغامرته مع هذه الوجوه لا يريد لها أن تنتهي بسهولة. فها هو يمنحها من جديد بعداً آخر ومعالجة مختلفة، اقتربت من معالجات موندريان، ليختزل الخطوط اكثر واكثر. حيث تظهر الاشكال الهندسية وتغيب الملامح في فضاء اللوحات التي بدت شخصياتها حالمة ومغمضة العيون، كما في لوحته (وجه كارما التجريدي).
في جانبٍ آخر من القاعة الكبيرة عرضت لوحات اندريه جاولينسكي (١٩٠٢-١٩٨٤)، وابتدأت المجموعة بلوحة جميلة تمثل فتاتين، بألوان مدهشة تعيدنا الى تناغمات الرسام أوكست ماكه، حيث توسط البنفسجي والاحمر، بينما انتشر الاخضر بدرجاته ليملأ فضاء العمل. بعدها تظهر مجموعة من البورتريهات، منها بورتريت السيد باور الذي ينتمي بكل أبعاده وتقنيته الى التعبيرية الالمانية الجديدة، التي وضع لبناتها أوتو ديكس وجورج غروس. ثم يظهر بورتريت لشابة شقراء جعلت اللوحة هنا مناسبة للاحتفال، بثوبها الشعبي المطرز بالنجوم وشعرها الذهبي الذي تناثر ليمتزج مع الغيوم البيضاء في خلفية اللوحة. ثم تتوالى بورتريهات لنساء بوضعيات مختلفة ومنها البورتريت الذي رسمه لزوجته، والذي أثبت من خلاله بأنّه يسير على خطى أبيه ويستحق النجاح مثله.
لينتهي الجانب المخصص لأندريه الابن بعدد من لوحات الطبيعة التي رسمها بمناخات غرائبية مزجَ فيها عجائن فان غوخ ورمزية ألوان غوغان، إضافة الى ماتعلمه من التقاليد الألمانية في معالجات اللون وتحريف الأشكال والقوة في الأداء والاسلوب.
ورغم أن اللون هنا في هذا المعرض قد ربط الأبن بأبيه، فقد تخللت حياتهما الكثير من التصدعات والفراق قبل الاعتراف بالابن الذي ولد لأم شابة صغيرة كان قد تَعَرَّفَ عليها الأب، الذي يعتبر أحد مؤسسي جماعة الفارس الأزرق صحبة كاندينسكي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

وزير الداخلية في الفلوجة للإشراف على نقل المسؤولية الأمنية من الدفاع

أسعار الصرف في بغداد.. سجلت ارتفاعا

إغلاق صالتين للقمار والقبض على ثلاثة متهمين في بغداد

التخطيط تعلن قرب إطلاق العمل بخطة التنمية 2024-2028

طقس العراق صحو مع ارتفاع بدرجات الحرارة خلال الأيام المقبلة

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

من دفتر الذكريات

العمودالثامن: هناك الكثير منهم!!

 علي حسين في السِّيرة الممتعة التي كتبتها كاترين موريس عن فيلسوف القرن العشرين جان بول سارتر ، تخبرنا أن العلاقة الفلسفية والأدبية التي كانت تربط بين الشاب كامو وفيلسوف الوجودية استبقت العلاقة بين...
علي حسين

كلاكيت: الجندي الذي شغف بالتمثيل

 علاء المفرجي رشح لخمس جوائز أوسكار. وكان أحد كبار نجوم MGM (مترو غولدوين ماير). كان لديه أيضا مهنة عسكرية وكان من مخضرمين الحرب العالمية الثانية. جيمس ستيوارت الذي يحتفل عشاق السينما بذكرى وفاته...
علاء المفرجي

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (2-2)الحكومة الجمهورية الأولىعشت أحداث الثورة في بغداد ثم عشت مضاعفاتها في النجف وأنا في الخامسة عشرة من عمري. وقد سحرتني هذه الحيوية السياسية التي عمّت المدينة وغطت على طابعها الديني العشائري.في متوسطة...
زهير الجزائري

ماذا وراء التعجيل بإعلان "خلو العراق من التلوث الإشعاعي"؟!

د. كاظم المقدادي (1)تصريحات مكررةشهدت السنوات الثلاث الأخيرة تصريحات عديدة مكررة لمسؤولين متنفذين قطاع البيئة عن " قرب إعلان خلو العراق من التلوث الإشعاعي". فقد صرح مدير عام مركز الوقاية من الإشعاع التابع لوزارة...
د. كاظم المقدادي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram