يبدو أن دورة كأس الخليج العربي بكرة القدم 23 المقرر إجراؤها في الدوحة للفترة من 22 كانون الأول ولغاية 5 كانون الثاني المقبل، قد دخلت غرفة العناية المركّزة، بعد أن تهاوت فجأة الأسس التي من أجلها انبثقت الدورة لأول مرة في البحرين عام 1970 ليقفز على مسرح الاحداث صراع السياسة والرياضة في مشهد لا يخلو من قسوة المواقف ونحن نرى الدورة تتأمل تعديلاً بالقرار السياسي للبقاء على قيد الحياة!
لم تشهد الدورات السابقة تمسّكاً في التشبّث بانتهاج مسالك الاختلاف تحت ذرائع تأطّرت بلغة الدبلوماسية مثلما طالبت فيها دول البحرين والسعودية والإمارات بتأجيلها الى إشعار آخر، بينما تمسّكت قطر بحق تضييفها في الموعد المقرر، وحسناً فعلت تلافياً لإحراج قد تواجه فيه اشكالية قانونية بخصوص حقوق شركات النقل التلفزيوني بعد أن اعلنت كلٌ من العراق واليمن وعُمان استعدادهم للمشاركة في الموعد والمكان المحددين احتراماً لنظام الدورة بعيداً عن أزمة الاشقاء.
ووسط تلك الأحداث برزت الكويت ليكون أمر مشاركتها عطفاً على قرار رفع الحظر الدولي عنها هي كلمة الفصل في تأجيل الدورة أو إقامتها بنظام الدوري من مرحلة واحدة، والحقيقة التي لا يريد الكثير أن يعترف بها، أن دورة كأس الخليج ولِدت بقرار سياسي ليحافظ على قوته تحت حماية مبادئ الرياضة وبخاصة كرة القدم التي قرّبت شعوب المنطقة وعزّزت من الروابط واسهمت في كسر الحواجز، إلا أنها برغم ذلك ظلّت مقيدة بسلاسل من يديرها دون أن تتجرأ من امتلاك شهادة التحرّر أو تكون همزة الوصل والوئام بين الشعوب عندما تشتدّ القطيعة بين السلطات، ربما يكون القائمون على الدورة قد ساهموا في أن يحدثوا تصدّعاً في بنيانها عندما عجزوا عن استحصال موافقة الاتحاد الدولي لكرة القدم طيلة السنوات الماضية في اعطائها الشرعية الدولية لتكون أكثر تماسكاً وإلزاماً للمنتخبات المشاركة وتعطي بُعداً رياضياً تنافسياً أكثر وضوحاً ويمنحها الاستقلالية.
لابد أن تدرك كل الدول الخليجية، أن الدورة اصبحت ملكاً للجماهير وتاريخاً معلّقاً في الذاكرة والقلوب بعد أن اسهمت في إحداث التطوّر الهائل في المنشآت الرياضية ونقلت تلك المنتخبات من مصاف الدول المغمورة كروياً الى رحاب التنافس القاري والدولي، ولا يمكن لتلك الانجازات أن تسقط، بل يكتب نهايتها بنفس الأيدي التي أقرّت ولادتها.
إن المكتب التنفيذي للاتحاد الخليجي كان يمكن أن يبحث في خيارات أخرى تسهم في تقريب وجهات النظر وتحافظ على وحدة القرار وتمضي به نحو هدف ديمومة المبادئ الحقيقية لجوهر الدورة سواء في اقناع الجهات المعترضة أو محاولة نقلها الى دول أخرى يمكن أن تكون أرضاً محايدة تلمّ شمل الجميع وتقنعهم بالمشاركة كخيار بديل والأقرب الى ذلك العراق وعُمان بعد أن تمتد أيادي الدعم والمساندة لهما لتكون كل الأطراف أمام مسؤولية تاريخية في إبداء حسن النية في توظيف كرة القدم كرسالة سلام ومحبة وتنقذ كيان دورة شارفت على الانهيار!
باختصار لابد لدورة الخليج العربي أن تأخذ حيّزاً أكثر احتراماً لتاريخها من دون أن يُزج بها في أتون الصراعات السياسية، لأن عجز القائمين عليها في الوصول الى الحلول التي تحفظ قيمتها يحتّم عليهم أن يصدروا نعياً بوفاتها من دون إثارة وضجيج!
كأس الخليج.. بلا ضجيج!
[post-views]
نشر في: 17 نوفمبر, 2017: 09:01 م