تتكرر شكوى مواطنين من الاجراءات والشروط الصعبة التي تفرضها المصارف على المستفيدين من القروض التي تعلن عنها بين فترة وأخرى، وفيما يؤكد البعض أن السعي للحصول عليها قد يكلف المواطن الكثير من الأموال مقابل ما سيأخذه من قرض مع ما عليه من فائدة مالية يجب تسديدها، يبدو آخرون متشككين في وجود هذه القروض ويتساءلون: هل توجد قروض بالفعل كما يعلن في الإعلام أم هي دعاية فقط؟
ويعلن مصرف الرافدين بين فترة وأخرى عن شروط لمنح القروض التي يطلقها سواء كانت مخصصة للمشاريع الصغيرة والمتوسطة أو لإسكان المواطنين أو للطلبة والأساتذة والباحثين والصيادلة والأطباء، ويرى خبراء إن وضع هذه الشروط يقوّض عملية الاستفادة من القروض، ويؤكدون إن بين أهم أسباب عدم الاستفادة منها ما يرافق منحها من فساد وابتزاز.
يقول المواطن محمد عوني كاسب في حديث لـ(المدى): منذ فترة ليست بالقصيرة وأنا اتردد على فرع لمصرف الرافدين، يقع ضمن الرقعة الجغرافية لمحل سكني للحصول على قرض بأمل البدء بمشروع صغير أعيل به اطفالي الخمسة، بعد أن بحثت عن عمل في كل مكان ولم أجد، وفي كل مرة احضر الى المصرف مع مستمسكاتي الكاملة، أفاجأ بطلب الموظفة بتقديم اثباتات ووثائق أخرى، اخرها أن احضر لهم مضبطة من المختار تؤكد سكني في منطقة حي الغدير في بغداد الجديدة، مع اني امتلك بطاقة سكن تبيّن هذا الأمر.
ويواصل قائلاً: لقد خسرت حتى الآن قرابة المليون ونصف المليون دينار من استنساخ للأوراق المطلوبة وأجور نقل مع مبالغ للحصول على تأييد سكن ومضبطة مختار واثباتات أخرى كتفاصيل للمشروع، كما طلبوا مني احضار كفيل للحصول على القرض وهذا أيضاً كلفني مبلغاً مالياً، لكن حتى الآن لم استطع الحصول على القرض. وتساءل: هل هذه المصارف تهدف الى استنزاف أموالنا أم انها تريد مساعدتنا بالفعل.؟، مستدركاً بالقول: اذا كان الآمر كذلك، لماذا كل هذا التعقيد، فقد مرّ عليّ الآن اكثر من شهرين، وانا بهذه الدوامة ولا أدري هل سأحصل على القرض أم لا؟.
رحيم عامر (34 سنة)، أب لأربعة اطفال ومن المستفيدين من قروض الإسكان، يؤكد في حديث لـ(المدى)، انه منذ بداية العام 2015 وحتى الآن قدم معاملة لمصرف الاسكان وتم حجز بيته، لكنه لم يتسلم قرض الاسكان الذي يراجع لأجله حتى الان، ويؤكد أن مشكلته تكمن في الشخص الذي جاء للكشف عن مساحة الدار ولم ينه عملية الكشف، حيث قال إن مساحة الدار 60 متراً مع أن سند الدار (الطابو) يؤكد إن مساحتها 100 متر، بعد ذلك قامت لجنة اخرى بالقيام بالكشف عن الدار ولم توافق هي الأخرى، ولا اعرف ما هو السبب، وهنا انا ادفع اجور الكشف دون أية فائدة، حتى وصل بي الأمر لسحب المعاملة كي أرفع الحجز عن الدار ومازلت أيضاً احاول سحبها.
يرى عامر، أن هناك عدم مساواة في توزيع القروض، فأي مواطن ليست لديه واسطة في فروع المصرف لا يمكنه الحصول على قرض ويبقى رهينة الابتزاز والتأخير من قبل موظفي المصارف، في حين نجد أن المحسوبية تسهّل عملية حصول الشخص على أي قرض ومن أي فرع يشاء وتحسم معاملته سريعاً، خاصة في ما يتعلق بالكشف عن مساحة الدار، وهذا ليس عدلاً، فكلنا اصحاب عوائل ونسعى للعيش بكرامة في بلدنا، لذا نرجو من الحكومة النظر بعين الرحمة الى ابنائها ومحاولة محاسبة الموظف الذي لا يؤدي عمله بنزاهة وسرعة حتى يكون عبرة للآخرين من امثاله.
من جهة أخرى، يقول المستفيد علي رسول منير، خريج كلية صيدلة في حديث لـ(المدى): سمعنا أن هناك قروضاً للصيادلة، فذهبت للسؤال عن ذلك في فرع الزوية لمصرف الرافدين، لكن الموظفة اكدت لي أن التعليمات لم تصل للفرع حتى الآن لصرف هذه القروض، وإن الفرع غير معني بهذه العملية، لأن هناك فروعاً أخرى للمصرف هي المتخصصة بصرف هذه القروض، لكنها لم تخبرني أين اتجه وفي أي فرع بالتحديد استطيع تقديم معاملتي، مواصلاً: اعتقد أن هذه القروض وهمية ولا وجود لها على أرض الواقع، فحتى الآن لم اجد أحداً من الصيادلة قد حصل على قرض، مع إن الإعلام يتحدث باستمرار عن أن مصرف الرافدين سيمنح قروضاً لعدّة فئات ومنهم الصيادلة والأطباء، وهؤلاء أيضاً لم يحصل احد منهم على قرض بحسب علمي. من المعيب أن تتعامل الحكومة معنا بهذا الاستخفاف، فهي من جانب تعلن شيئاً ولا نجد له تطبيقاً أو تسهيلاً على أرض الواقع. ويؤكد منير، أن الكثير من الصيادلة الشباب والقدامى يتمنون فتح صيدلية كمشروع خاص بهم في اماكن متعددة من العاصمة و المحافظات، ومع أن ذلك ينشط سوق العمل ويسهم بتشغيل الكثير من الشباب، لكن من الواضح عدم اهتمام الدولة وبخاصة القطاع المصرفي بالمواطن وبهذه الشرائح المهمة، وذلك من خلال الاجراءات الصعبة والروتين والمحسوبية والابتزاز من اجل الحصول على القرض.
وعلى الرغم من محاولاتنا المتكررة الاتصال بأيّ من فروع مصرف الرافدين أو مصرف الاسكان المتخصصة بدفع هذه القروض لتوضيح الأمر لم نستطع الحصول على رد.
وكان الخبير الاقتصادي باسم انطوان، قد أكد في حديث سابق لـ(المدى)، إن على المصارف الاستثمارية الأخرى ومصارف القطاع الخاص أن تسهم أيضاً في عملية القروض فهي ليست خزائن مالية وملكاً لأصحاب تلك المصارف بل هي مجازة لخلق فرص عمل واستثمار لخلق حركة ديناميكية في الشارع العراقي، ولم توضع للاستغلال والجشع كما يحصل اليوم، لذلك فالحل يوجب على السلطة المالية أن تتدخل لخفض نسبة الفائدة والتقليل من الشروط على المواطن حتى تسهم هذه القروض في خلق فرص عمل لأن منهاج الدولة العراقية يؤكد على تفعيل دور القطاع الخاص في الحياة الاقتصادية للبلد لكننا لا نجده الآن.
وتساءل انطوان: اذا كانت الفائدة على القرض 16 أو 17% كيف يمكن للمواطن أن يتواصل أو ينجح في ظل هذه الفوائد؟ وباشر مصرف الرافدين منذ عام 2006 بمنح سلف وقروض مختلفة للموظفين والمواطنين ضمن آليات وضوابط معينة، حيث منح قروضاً وصلت الى 50 مليون دينار لأغراض البناء، بمدة سداد 10 سنوات وبفترة إمهال 3 أشهر، وقرض الـ 15 مليوناً للمشاريع الصغيرة، تلتها عدّة مبادرات لقروض أخرى، فيما لم يرَ المتابع أيّ انعكاس ايجابي لها على واقع الاقتصاد العراقي حتى الآن بحسب مختصين.