TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > رودان.. سيرة تقليدية

رودان.. سيرة تقليدية

نشر في: 15 نوفمبر, 2017: 03:49 م

قدمت السينما خلال تاريخها عددا كبيرا من الافلام التي تعني بسيرة فنانين تشكيليين.. تفاوت تناولها لهذا الفنان أو ذاك في المعالجة الدرامية والاسلوب، ومثل هذه الافلام كثيرة لاتحصى، حتى أن بعض الفنانين كانوا مادة لأكثر من مخرج تناول كل واحد منهم جانبا من هذه الشخصية.
فالسيرة هي تاريخ، والتاريخ، كما يقول منظر السينما كريستيان ميتز، هو خطاب مقنّع، يطمس إشارات إيضاحه ويتنكر بشكل قصة، وفي السينما، يدعو هذا الى استجابة تلصصية، بدلاً من أن يواجه نظراتنا مباشرة. وهذا، أيضا، يتيح لنا لا النظر فقط بل المشاركة والحضور. وبهذا يتقاسم الأفلام والمشاهدين ايديولوجية مشتركة ؛ هذا التقاسم يدعم أساس السينما. وهي ايديولوجية تحدد بنية فكرة المشاهدة، شيء يبقينا على مقربة من وضع أناني لا يمكن تبريره، تلصصي إنما سارّ.
خلال مهرجان كان الاخير قدمت فرنسا أحد هذه الافلام هو فيلم (رودان) عن واحد من أعظم النحاتين في العالم وأحد الاسماء التي صنعت مجد فرنسا الثقافي والفني، وجاء هذا الفيلم الذي صنعه جاك دوايون بعد أكثر من ثلاثين عاماً عن كان، متزامنا مع الاحتفالات التي تعم فرنسا بمرور 100 سنة على رحيله.
يروي الفيلم قصة الحب الجنونية بين رودان وكاميل كلوديل،، والتي إنتهت بسقوطها في ظلمة الجنون لتمضي الشطر الأكبر من حياتها في إحدى المصحات العقلية. كما يتطرق الفيلم المذكور إلى قصص الحب الأخرى التي عاشها الفنان الكبير مع نساء اخريات. إلاّ أن جميع هذه القصص المحمومة لم تمنعه من ان يظلّ متعلقا حتى النهاية بروز التي كانت خادمته في البداية، ثم أصبحت زوجته. وكان المخرج برونو نايتن قد اخرج فيلما بعنوان”كاميّ كلوديل"، عام 1988والذي مثّلت فيه ايزابيل ادجاني.
المخرج الذي يعد من مخرجي الصف الاول في فرنسا ركز على قصة الحب هذه تماما مثل فيلم نايتن وايضا فيلم دومونت عام 2013 الذي جسدت البطولة فيه جولييت بينوش ولم يستطع ان يخرج من إطار هذه العلاقة. فالمخرج جاك دوايون رسم صورة باهتة ومسطحة لرودان صاحب (بوابة الجحيم، والمفكر، والقبلة) خاصة مع اعتماده على الانتقالات المسرحية وكثافة الحوار فهو لم يأت بجديد في معالجته لهذه الشخصية التي أحدثت انعطافة مهمة في مجالها فقد تأثر به كبار النحاتين في العالم، ورسامون مثل بيكاسو، وجورج براك. أما الشاعر الألماني راينار ماريا ريلكه فقد اعتبره رمزا للحداثة الأوروبية في مجال الفن..
وأيضا لم يستطع دوايون أن يأتي بجديد حول قصة الحب هذه كما فعل نويتان في سيرة كاميل كلوديل عام 1988 ففي هذا الفيلم تعرفنا على أثر كلوديل في حياته والعلاقة المتكافئة بينهما درجة انها كانت تخشاه على عبقريتها.. وانشغل بدل ذلك بعلاقة لاتعدو الجنس واستعراض فحولته!، بل لايمنحا الفيلم فرصة معرفة مصير كلوديل مثلما تركنا في البداية لانعرف شيئا عنها – تكون كاميل شقيقة الشاعر بول كلوديل - حيث لانعرف سوى إنها في مصحة.
الفيلم بشكل عام لم يستطع أن يستوعب سيرة هذا الفنان، فما قدمه سيرة تقليدية لقصة الحب مع كلوديل لم تكن بأية حال أفضل من تلك التي اشتغل عليها نويتان على الرغم من أن فيلم الاخير كان عن هذه العلاقة تحديداً.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram