TOP

جريدة المدى > تقارير عالمية > ثورة اكتوبر فـي روسيا.. بعد 100 سنة (2 - 2)

ثورة اكتوبر فـي روسيا.. بعد 100 سنة (2 - 2)

نشر في: 15 نوفمبر, 2017: 12:01 ص

لقد تمتع البلاشفة دون غيرهم من الأحزاب بقوة ضاربة في القوات المسلحة الروسية، وخاصة في الاسطول. وكاد أن يكون هو الحزب المسلح الوحيد المنضبط في البلاد، بل وتحوّل الحزب عملياً من مؤسسة سياسية الى أشبه بفرقة عسكرية. كما تمتع الحزب بدعم البروليتاريا في المدن الصناعية الرئيسية أي موسكو وبتروغراد وايفانوفو، هذه البروليتاريا المنظمة ولكنها المحدودة عددياً، والتي لم تشكل في كل روسيا إلا بضع عشرات الآلاف من العمال، مما مكن الحزب من إحداث التغيير في العاصمة بتروغراد وموسكو ثم السيطرة على مناحي البلاد بعد حرب أهلية ضروس.

 

إن التركيبة السكانية لروسيا قبيل ثورة اكتوبر وعشية الحرب العالمية الأولى كانت غير مؤهلة للتوجه صوب الاشتراكية، إذ كانت على الوجه التالي: فمن بين 140 مليون نسمة من نفوس روسيا، لم يشكل العمال والموظفون سوى قرابة 23 مليون نسمة (العمال الصناعيين قرابة مليون ونصف عامل والعمال الزراعيين 6 ملايين مع عوائلهم)؛ أي 16% من السكان، في حين شكل الفلاحون والبرجوازية الصغيرة والحرفيون قرابة 90 مليون نسمة، ومنهم الكولاك ويشكلون قرابة 17 مليون مع عوائلهم. أما الاقطاعيون والبرجوازية الكبيرة والمتوسطة والكولاك والتجار، فيشكلون قرابة 22 مليون نسمة، والطلاب والعسكريون والمتقاعدون يشكلون قرابة 3 ملايين نسمة. ويشير ليون تروتسكي في محاضرة له عن الثورة الروسية قبل قطيعته مع البلاشفة قائلاً:" يعبر تأخر روسيا في القرن العشرين عن نفسه على أوضح صورة على الوجه التالي؛ حيث تحتل الصناعة مكانا ضئيلا بالمقارنة مع الزراعة، وكذلك البروليتاريا مقابل الفلاحين. وهذا بالإجمال يعني إنتاجية منخفضة للعمل القومي. كما سادت علاقات انتاجية ما قبل الاقطاعية وأقطاعية وشبه اقطاعية في الأطراف الروسية. فقد عاش 25 مليون نسمة في تلك المناطق في ظروف ما قبل الرأسمالية، ومنهم 6 ملايين نسمة يشكلون قبائل رعوية لم تنتقل بعد إلى العمل في الأرض ولم تتحرر من البناء الأبوي القبلي.
وبشكل عام كانت روسيا تفتقد إلى القاعدة الرصينة لانتاج الثروة، وخاصة البنى الارتكازية التي يمكن الاستناد إليها للتوجه صوب الاشتراكية. فبالرغم من أن مساحة روسيا شكلت سدس العالم، فلم يوجد فيها عشية الثورة إلاّ جزء يسير من الطرق والسكك الحديدية. وعلى سبيل المثال، لم تستخدم القوات الروسية في الحرب العالمية الأولى الآلة الحديثة في النقل واعتمدت على الجياد والحيوانات في نقل معداتها وجنودها. وببساطة لم تُنتج في روسيا تلك الثروة التي يمكن توزيعها على البروليتاريا الروسية في ظل الاشتراكية، فروسيا لم تمر بعملية خلق الثروة ضمن نظام رأسمالي حقيقي بسبب ضعف البنية الانتاجية. فما يوجد من المؤسسات بغالبيتها هي مؤسسات استخراج المواد الخام أو بعض مصانع النسيج، وهذا ما يطبع الاقتصاد الروسي حتى الآن رغم المحاولات للخروج من هذا المأزق في السنوات الأخيرة. ولهذا فإن الدخل القومي عشية الحرب، عندما بلغت روسيا القيصرية أوج ازدهارها، بلغ ثماني إلى عشر مرات أقل منه في الولايات المتحدة. إن هذا المؤشر يعبر رقمياً عن "مدى" التأخر، هذا إذا كان ممكنا بوجه عام استعمال كلمة مدى بالنسبة للتأخر".
لقد شهد مطلع القرن العشرين جملة من الثورات والحروب. وكانت أحد الأسباب هو الضعف الذي بدأ ينخر في الأمبراطوريات القائمة آنذاك وتنامي الوعي الديمقراطي لدى شعوب المتربول والمستعمرات على حد سواء، مما أغرق العالم بموجة من الأفكار الثورية والغلو الثوري والإصلاحية والفوضوية وحتى الفاشية التي تركت أثرها الكبير على الأحداث في تلك الفترة الملتهبة. فلم تكن الثورة في روسيا سواء في شباط أم في أكتوبر عام 1917 إلاً حلقة حتمية من حلقات ذلك العالم المتلاطم الأمواج في بداية القرن العشرين. ففي عام 1905 أندلعت الثورة الديمقراطية في كل من روسيا وإيران (ثورة المشروطة)، وتبعتها الثورة الدستورية في الامبراطورية العثمانية في عام 1908، والثورة في البرتغال عام 1910 حيث أعلنت الجمهورية في البلاد وحفزت كل أنصار الجمهورية في أوربا، والثورة في الصين عام 1911، وأعقبتها الثورة المكسيكية (1910-1917). ثم نشوب الثورة في ألمانيا عام 1918، وإعلان الجمهورية البافارية السوفييتية في 1919. وأعقب ذلك إعلان الجمهورية السوفييتية في منطقة گيلان – إيران التي استمرت من حزيران عام 1920 وحتى أيلول عام 1921 بزعامة ميرزا كوجك خان، وتبعتها الثورة العراقية ضد الاحتلال البريطاني المطالبة بالاستقلال في حزيران عام 1920. هذا إلى جانب انتعاش حركات التحرر الوطني في الهند وأفغاستان ومصر ضد التسلط الاستعماري البريطاني.
ان اهم الاستنتاجات باعتقادي هي التالية:
اولاً: أعتقد انه مازال مبدأ تعاقب التشكيلات الاجتماعية الاقتصادية الذي طرحه كارل ماركس والذي تم تجاهله لاحقاً يحتفظ بصحته وحيويته. فمن غير الممكن تجاوز أية مرحلة من مراحل تطور المجتمع والقفز عليها والهروب إلى الأمام. ولهذا، وفي المرحلة الراهنة، لابد للمجتمعات الانسانية ان تمر في التشكيلة الاقتصادية الاجتماعية الرأسمالية الى أن تستنفذ هذه التشكيلة دورها التاريخي. كما لا يمكن التعويل على حدوث ثورات اشتراكية في بلدان متطورة كوسيلة لانتصار ثورة اشتراكية في بلدان ضعيفة التطور لا تشكل البروليتاريا نسبة عالية في تركيبة المجتمع، كما عوّل البلاشفة الروس على انتصار الثورة الاشتراكية في ألمانيا كعامل حاسم في انتصار الثورة الاشتراكية في روسيا الضعيفة التطور. فهذا التعويل حتى ولو افترض أنه كان صحيحاً، فقد إنهار مع فشل الثورة في ألمانيا. كما لا يمكن النقل الميكانيكي للثورة الاشتراكية في ألمانيا إلى روسيا الضعيفة التطور في حالة انتصار الثورة في ألمانيا.
ولذا لابد ان يجري اليسار والحركات الاشتراكية والتقدمية إعادة دراسة الجوانب المعرفية لماركس بالدقة الاكاديمية، والبحث فيما هو سليم وما هو قد شاخ في هذه المنظومة المعرفية. كما ينبغي التخلي عن التفسيرات المبسطة لأفكار ماركس والتي وصلت الى حد الابتذال بعد رحيله. وقد كان مايكل هارينغتن الاشتراكي البريطاني ومؤلف كتاب "الاشتراكية ماضي ومستقبل"، محقاً عندما قال:"إن كارل ماركس كان ثورياً وديمقراطياً واشتراكياً، الا ان منهجه قد جرى تحويله الى كاريكاتور، والى حد التفاهة سواء من قبل من يسمون بالماركسيين أو من قبل خصوم الماركسية". نعم لقد جرى تحويل هذه المعارف للأسف الى مجرد تعاويذ ومفاهيم دوغمائية لا أكثر، وفقدت جوهرها المنطقي الجدلي على يد هؤلاء.
وخلاصة القول إن الاشتراكية والشيوعية تبدأ بالنمو في أحشاء الرأسمالية تدريجياً عن طريق الحد من جميع أشكال الاستغلال والهيمنة والاستلاب المفروضة على الفرد والمجتمع في ظل العلاقات الرأسمالية وإرساء أجزاء من المجتمع الجديد الخال من الاستغلال (ونشاهد بعض هذه العناصر والمؤسسات في العديد من الدول الرأسمالية الأوربية التي أقيمت في أثناء حكم الاشتراكيين الديمقراطيين). فالنضال في هذه الحالة لا يتركز على هدف الظفر بالسلطة السياسية والشروع ببناء الاشتراكية على أساس القضاء على العلاقات الرأسمالية، وإنما على العمل المتواصل ضد منطق الرأسمال والربح في جميع ميادين النشاط الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والسياسي لإزاحته، وإحلال منطق بديل يضع مصلحة الإنسان في المقدمة بدلاً من الربح. ويتحقق ذلك عبر صراع مثابر جماهيري للطبقة العاملة وكل الفئات الاجتماعية المتضررة من أسلوب الانتاج الرأسمالي من أجل تحقيق مكاسب وإنجازات اجتماعية واقتصادية تقدمية متزايدة للشغيلة، وتوسيع مديات الديمقراطية وتطبيقات حقوق الإنسان. وتستثنى من ذلك إمكانية تخطي الرأسمالية في بلد لم تتطور فيه الرأسمالية كتشكيلة اجتماعية– اقتصادية سائدة.
ثانياً: ان كل تشكيلة جديدة تراكم عناصرها في رحم التشكيلة القديمة موضوعياً كما أسلفنا، ولكن دور العامل الذاتي يكمن في رعاية وتعزيز التراكم التدريجي الموضوعي الارتقائي لعناصر التشكيلة الجديدة وليس خلقه أو نفيه، وصولاً الى استقراره بمختلف الطرق والوسائل. فعلى سبيل المثال استفادت الحركات الاشتراكية من جانب ايجابي في ظاهرة العولمة التي توحد شعوب العالم كي تتقدم تتدريجياً نحو تطويق الجوانب السلبية في الرأسمالية المعاصرة ومحاصرتها. علماً أنه لا يمكن للتشكيلة الاجتماعية الاقتصادية القديمة أن تنهار بانقلاب أو ثورة أو بقرار حزبي مهما كانت درجة نفوذه إلاّ بعد أن تستنفد هذه التشكيلة دورها التاريخي ومبررات وجودها وديمومتها، وهذه هي مصائر كل التشكيلات السابقة. كما لا يمكن ان تنزاح التشكيلة الرأسمالية إلا بعد ان تدخل في أزمة لا مخرج منها خاصة في انتاجية العمل وفي التناقض بين قوى الانتاج والعلاقات الانتاجية، وعندها تنتفي مبررات استمرارها، ويتم الانتقال إلى تشكيلة أرقى بأشكال وأساليب يصعب تحديدها حسب المكان والزمان.
ثالثاً: لا اعتقد انه بالأمكان وصف الانظمة في الاتحاد السوفياتي أو في دول اوربا الشرقية بأنها انظمة اشتراكية. إن الملكية التي أرسيت في الاتحاد السوفييتي هي ملكية الدولة على وسائل الانتاج، وليس الملكية العامة للمنتجين الأحرار، كما تفترضه التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية للاشتراكية. وتشهد كل تجارب العالم أن ملكية الدولة، وفي ظل انعدام أي دور مباشر للمنتجين والرقابة العامة للشعب على المؤسسات وفي ظل انعدام الديمقراطية، فهذا النمط من الملكية لا يؤدي إلاّ إلى استشراء البيروقراطية والفساد وهذا ما تؤكده جميع التجارب التي طبقت سلسلة من الاجراءات لفرض ملكية الدولة. وكمثال بسيط على حجم الفساد في الاتحاد السوفييتي ،نشير الى احصائية رسمية صدرت في أواخر عام 1989 تؤكد إن حجم الأموال المتداولة في السوق السوداء قد بلغ 340 مليار روبل، وهو ما يعادل 50% من حجم كل الكتلة النقدية المتداولة في الاتحاد السوفييتي آنذاك.
لو كانت هذه الانظمة اشتراكية فعلاً لعالجت مشكلة البيروقراطية والفساد، ولتفوقت على الدول الرأسمالية في كل جوانب الحياة وخاصة في انتاجية العمل وتحقيق الوفرة في الانتاج، التي اعتبرها لينين "من أهم شروط الانتصار على الرأسمالية". فالوفرة في الانتاج والتقدم العلمي والتكنولوجي. كما أن البناء الاشتراكي يطبق من قبل المنتجين الأحرار، وليس من قبل إسلوب عمال "السخرة" الذي فرضته السلطة السوفييتية باستخام عمل السجناء السياسيين من شيوعيين وعسكريين ومعارضين لبناء مؤسسات مائية ضخمة كقنال فولغا – الدون التي افتتحت عام 1952، وتولي السجناء البحث عن الخامات في سيبريا وغيرها بالسخرة دون أن يتمتعوا بالأجور ولا الحقوق..
رابعاً: ينبغي التأكيد على أن انهيار الانظمة في بلدان اوربا الشرقية لا يضفي صفة الديمومة والاستقرار الابدي والأزلي على الانظمة الرأسمالية الاستغلالية، او أنها تستطيع أن تتفادى الأزمات التي كان بعضها من الخطورة بحيث أصابت البلدان الرأسمالية بالركود لفترة طويلة كأزمة عام 1929. إلا ان هذه الازمات لم تؤد الى انهيارها بشكل مباشر. واستطاعت الرأسمالية ان تجدد نفسها ولكن الى حين. ويورد الشيوعي المصري المرحوم الدكتور فؤاد مرسي في مؤلفه الهام "الرأسمالية تجدد نفسها"، والذي اصدرته سلسلة دار المعرفة الكويتية في الثمانينيات، شرحاً وافياً ومستدلاً يغني القارئ بالعديد من الامثلة والمعطيات الاكاديمية المقنعة حول أفاق تطور التشكيلة الاجتماعية الاقتصادية الرأسمالية وحالها الراهن.
خامساً: ان كل العوامل السلبية التي واجهت النظام السوفييتي مثل الحرب الأهلية والحرب العالمية الثانية والمساعدات السوفييتية الى الدول الاخرى على فداحتها وحجمها ، لا يمكنها ان تشكل إلا دوراً ثانوياً في فشل عملية بناء المجتمع الجديد. فمثل هذه العوامل لم تواجه دولاً اخرى في أوربا الشرقية كجيكوسوفاكيا على سبيل المثال، إلا أنها هي الاخرى لم تستطع بناء المجتمع المنشود وفشلت وانهار النظام فيها.
سادساً: ولعل الاخفاق الأهم للانظمة السياسية في الاتحاد السوفييتي ودول اوربا الشرقية هو فشلها في بناء النظام السياسي التقدمي الديمقراطي اللائق بالانسان وحماية حقوقه. لقد تم توجيه النقد الى نمط البناء السوفييتي بشكل مبكر وحتى في فترة تصدر لينين لزمام الأمور، حيث نبّه العديد من الاشتراكيين الديمقراطيين والشيوعيين من أمثال كاوتسكي ومارتوف وبليخانوف واكسيلرود وروزا لوكسمبورغ وكارل ليبنيخت وغرامشي وروي وسلطانزاده الى خطورة هذا الخيار بإعتباره يؤسس لدولة ديكتاتورية، مما أثار ردود فعل شديدة ضدهم. وهناك من فقد من القادة الشيوعيين السوفييت والاجانب حياتهم في حملات التصفية، ومنهم جمهرة من المهندسين والخبراء المتطوعين من بلدان أوربية والولايات المتحدة للمساعدة على إعادة إعمار الاتحاد السوفييتي وتقديم الخبرة له، بسبب من نقدهم للنظام السياسي السوفييتي الذي قيّد الحريات وأشاع نمط الزعامة الفردية وفتح الباب أمام المحاكم المريعة ومعسكرات العمل والتصفيات الرهيبة. وتواصل هذا النقد حتى انهيار الدولة السوفييتية بدءاً بمدرسة فرانكفورت الماركسية في الثلاثينيات وانتهاءً بالشيوعية الاوروبية.
لقد كان عقد الثلاثينيات من أكثر العقود إيلاماً بسبب حملات القمع التي تعرض لها شيوعيون وديمقراطيون وعلماء ومثقفون وعسكريون ونقابيون وقادة رأي. فمن بين 28 من أعضاء "القوميسارية الشعبية"(مجلس الوزراء السوفييتي)، تعرض للقمع والتصفيات 20 منهم. وخلال نصف سنة من عامي 1936 و 1937 جرى تصفية ألفين من قادة الجمهوريات الاتحادية. وبعد عام 1937، تم محاكمة وتصفية غالبية قادة الجيش والأسطول البالغ عددهم 36 ضابطاً، وأعدم ثلاثة من أصل خمسة من مارشالات الاتحاد السوفييتي، مما ألحق دماراً بالجيش والاسطول مما أدى إلى أضعاف الاتحاد السوفييتي أمام هجوم القطعان النازية في عام 1941.
سابعاً: نعم لقد انجزت السلطة السوفييتية إصلاحات كثيرة، فحولت الشعب الأمي (95% من السكان أمييّن) الى شعب متعلم. ونسفت السلطة الجديدة كل اركان العلاقات الاجتماعية البالية من المشاعية الى العبودية والاقطاعية التي كانت سائدة في اكثرية بقاع روسيا الشاسعة، دون ارساء البديل الملائم. وقد حققت الثورة الكثير من الانجازات والاصلاحات على صعيد التنمية الصناعية والعناية الصحية والتعليم. كما إن ما طرحته الثورة من شعار حق تقرير المصير وتطبيقاته، كان من العوامل التي أثرت على شعوب العالم المضطهدة وحفزتها للمطالبة بتحررها ودك معاقل النظام الاستعماري للأمبريالية. وكانت شعارات الثورة الداعية الى العدالة الاجتماعية عوناً لنضال الطبقة العاملة الاوروبية وقوى الاشتراكية لتحقيق خطوات اصلاحية ذات ملامح اشتراكية في بلدانها، وخاصة اثناء تسلم الاشتراكيين الديمقراطيين السلطة عبر انتخابات ديمقراطية في بعض بلدان القارة الاوروبية. ويعود السبب في ذلك الى وجود قاعدة مادية تؤمن تحقيق هذه العناصر.
إلا أن البلاشفة لم يستطيعوا تحقيق بناء البديل الاشتراكي المنشود في بلادهم. إن حُسن النية والأحلام النبيلة والدعوات الصادقة لبناء مجتمع عادل خال من الاستغلال والظلم السياسي والاجتماعي، وعلى مر التاريخ، هي غير كافية لوحدها إن لم تقترن بوجود ظروف موضوعية وبنظرة واقعية ودراسة علمية الى الواقع الملموس بعيداً عن ذرائع التمسك بالمُثل والأحلام أو التعصب لها كي يتم تغيير المجتمع لصالح كل بني البشر. ويشير المؤرخ وعضو اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي قبل الثورة نيقولا ريجكوف بحق في مقالة له حول "المسألة الزراعية" الى أن: "هناك ممهدين أساسيين يجب أن يتوفرا في أي نظام اجتماعي من أجل نضجه للاشتراكية وهما: السيادة التامة للمؤسسات الكبيرة في كل فروع الاقتصاد والتعاون الفعال للقوى الرأسمالية لتحقيق انتاج وافر".
لقد اخفق الكثير من المفكرين والاصلاحيين في إدراك ذلك من أجل تحقيق هذه الاهداف سواء في تاريخنا أو في التاريخ الانساني. وينبغي أن تتحول مثل هذه الاخفاقات إلى عبر ودروس للساعين إلى العدالة والمساواة رغم مرارتها، وهي كما يصفها المفكر الروسي الكبير لوناچيرسكي قائلاً: "ان الشخصيات النبيلة في التاريخ، غالباً ما تلقى مصرعها في الإشتباك مع الواقع؛ لا لأنها لا تستوعبه، بل لأنها لا تريد أن تتنازل عن مثلها العليا التي تعتبر عصية على التحقيق في الظروف المعطاة".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

برنامج دولي لتحقيق أمن غذائي دائم للمتضررين فـي العراق

 ترجمة / المدى في الوقت الذي ما تزال فيه أوضاع واحتياجات النازحين والمهجرين في العراق مقلقة وغير ثابتة عقب حالات العودة التي بدأت في العام 2018، فإن خطة برنامج الأغذية العالمي (FAO )...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram