اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > المدى الثقافي > أمبرتو إيكو وثقافة كرة القدم

أمبرتو إيكو وثقافة كرة القدم

نشر في: 13 إبريل, 2010: 04:27 م

ترجمة: د. هناء خليفما الذي اصاب كرة القدم؟ حسناً، سأقول لكم ما الذي اصاب كرة القدم. انها لعنة المال التي عاثت فساداً في مفاصل اللعبة وحولتها الى ماكنة عملاقة لجني الارباح. انه المال الذي يدفع اللاعبين الى الشعور بالغطرسة ويحدد مواقعهم في السوق الرياضية،
 وهو الذي يدفع بالنوادي الكبيرة الى اخراج الاصغر منها من ساحات اللعب. ولم يعد الشعور بالولاء هو ما يميز علاقة اللاعبين بهذه اللعبة، اذ حلت محله اعتبارات اخرى تتحكم بهذه العلاقة، اعتبارات لا تقيم وزناً لظروف نشأة اللاعبين بالقرب من الملاعب واستمرارهم في اللعب في ذات الفريق طوال حياتهم المهنية. لاعبو كرة القدم يذهبون الى حيث تأخذهم اموال العقود المبرمة مع الفرق. هذه هي الحقيقة الساطعة كسطوع الشمس. التلفاز ليس وحده المُلام، بل الوكلاء المستميتون للحصول على نسبة 20% من الارباح.rn rn rnوليم والترز اؤكد لك، عزيزي القارئ، انك ستسمع التعليقات ذاتها عن الفرق واللاعبين والمدربين وكل ما يتعلق بكرة القدم سواء شاهدت احد البرامج الرياضية في التلفاز البريطاني مثلاً، او ذهبت الى احد البارات اللندنية او استقليت الباص في احدى محطات المترو. ولكني غير متأكد من رغبة امبرتو ايكو في المشاركة في الحديث عن هذه اللعبة. صراحةً، اشك بذلك، فبعد قراءة كتاب بيتر بيركلس تريفوناس (امبرتو ايكو وكرة القدم)، ادركت حجم الانزعاج الذي كان يشعر به هذا الروائي والسيميائي والمنظر الثقافي المعروف من الطرق المتبعة في ادارة هذه البرامج الحوارية رغم الحماسة والانفعال الشديدين للمشاركين فيها. يتناول الكتاب اراء ايكو ومواقفه ازاء ما يمكن تسميته بثقافة كرة القدم وتحذيره من ظاهرة الهوس المرضي بها في المستويين الشعبي والرسمي. دعوني اوضح هذه الفكرة بمزيد من التفصيل. حقيقةً، لا ينتقد ايكو كرة القدم من حيث كونها فاعلية بدنية صحية، بل ان هجومه ينصب على المبالغة في تقدير اهميتها ومكانتها في المشهد الثقافي الحالي. ينتقد ايكو، مثلاً، ميل اللعبة الى محاكاة المجتمعات السياسية المزيفة على وجه الخصوص، فالمجلات والجرائد تكرس عدداً لا بأس به من صفحاتها للتعليق على نتائج المباريات ونشر المقابلات مع المدربين واللاعبين، ويتواصل الحديث في البرامج الحوارية التلفازية والمذياعية التي تدعو المشاهدين للتعليق على ادق التفاصيل من مثل مزايا هذا المدرب وبراعة ذلك الحكم وسلوك ذلك اللاعب، الى آخره. وهكذا، امسى الكل مشغولاً بالحديث عن كرة القدم، ولا عجب ان تجد الناس منهمكين في ابداء الرأي بالبطولات المحلية والدولية في المنازل ومحال العمل وفي البارات والباصات مع ما يعنيه ذلك من تبن لبعض المواقف والاصرار عليها والمحاججة لصالحها، وربما التعنت في عملية محاكاة تبدأ ولا تنتهي للسجالات السياسية. الى جانب ذلك، تحول اللاعبون الى شخصيات عامة يتابعهم المشاهدون بشغف في حلهم وترحالهم، كما يتابعون نشاطاتهم ومشاكلهم ويتبنون اراءهم ومواقفهم ويقلدونهم في الملبس وتسريحة الشعر والهوايات وربما يدخلون معهم في حالة تماهي لاشعورية. الكل مشغول بالحديث عن شيء اقل ما يقال عنه انه نشاط عادي، بل وحتى مبتذل. وبكلمات موجزة، امست السجالات الرياضية بديلاً مناسباً عن الاشتراك في السجالات السياسية. بهذا الصدد، يرى امبرتو ايكو ان كرة القدم تجسد ما يمكن تسميته "انزياح المواطنة" الذي يؤشر لتغيير حاسم في توجهات افراد المجتمع وميولهم، فعوضاً عن متابعة السجالات السياسية والاجتماعية المجدية للمجتمع، ينهمك الجميع في الحديث عن كرة القدم التي اخذت شيئاً فشيئاً تحتل موقعاً ثقافياً واجتماعياً متميزاً في المجتمعات المعاصرة. انها بحق معركة كرة القدم امام المواطنة، وللأسف، فانها واحدة من المعارك الكبرى التي بدأت المواطنة تخسرها. التحذير من عواقب خسارة المواطنة لهذه المعركة ليس الامر الوحيد الذي يشغل بال ايكو، اذ يورد تريفوناس قائمة طويلة من الاعتراضات التي يسجلها ايكو ضد اللعبة منها العنف الجسدي والرمزي الملازم لها وتحولها الى عملية استثمار تجارية بحتة ناهيك عن دورها في ترسيخ ثقافة "الآخر اللامنتمي." ولم تعد عملية التوجه الى الملعب لمشاهدة المباريات مجرد مناسبة لقضاء وقت الفراغ او لقاء الاصدقاء والترويح عن النفس، بل تحولت الى كرنفال جماهيري له شعائره وطقوسه الخاصة من مثل رفع الرايات وقرع الطبول والعزف بالابواق وتقديم عروض الالعاب النارية وترديد الاغاني الشعبية والالتزام بارتداء ازياء الفريق وبالطبع لا يخلو هذا الكرنفال من محاولات استفزاز مشجعي الفريق الخصم وبالتالي اضفاء المزيد من الاثارة له. لا يقف الامر عند هذا الحد، بل ثمة جوانب آخرى خفية غير مريحة في هذا الطقس الاحتفالي، فقرار الفرد تشجيع احد الفرق الكروية يعني استعداده الطوعي للاشتراك في ما يُعرف بـ "عقلية الفرق،" بمعنى تعهده والمشجعين الآخرين على مساندة الفريق والتضامن معه في جميع مبارياته القادمة والتزامه بحضور المباريات واشتراكه في عروض التشجيع الجماهيرية. وهذه الممارسات وثيقة الصلة بالسلوكيات العدوانية ذات الطابع الشعائري المو

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

أصابع بابلية' لأحمد مختار تتوّج عالميا

في استفتاء موسيقي تنافسي سنوي حصلت إسطوانة “أصابع بابلية” للمؤلف الموسيقي وعازف العود العراقي أحمد مختار على مرتبة ضمن العشر الأوائل في بريطانيا وأميركا، حيث قام راديو “أف أم للموسيقى الكلاسيكية” الذي يبث من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram