TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > أنين بغداد ووحشة صمتها

أنين بغداد ووحشة صمتها

نشر في: 13 إبريل, 2010: 04:33 م

سعاد الجزائري يستعذب الجلاد او القاتل رؤية ضحيته حينما يسيل دمها بهدوء وينساب بسلاسة على حافات الشوارع المظلمة، ويستمتع بسماع انين الوجع حينما ينتشرصداه في زوايا الاماكن، ولا تدهشه صورة اشلاء البشر المنثورة
 بين الاسماء التي ضاعت في زحمة حطام الكراسي التي شهدت جلسات حميمية لن تتكرر هذه الايام كثيرا، ولا يسمع القاتل الصوت المخنوق تحت الركام والذي يكرر (انا هنا.. انا هنا) متشبثا بحياة قد تدوم فيما لو سمع صوته هذا الباحث عن بقايا بشر تحت اكوام اماكن كانت مليئة بالحياة قبل قدوم الموت اليها..اسموه الثلاثاء او الاربعاء او الاحد الدامي، وكان لنا قبلها خميس وجمعة واثنين دامية ايضا، ونحن منذ زمن سحيق وغابر نبحث عن يوم لا دم فيه..كل الأيام باتت تقودنا الى وحشة الصمت، وبغداد التي بدأت تنهض ببطء شديد من كبوتها الطويلة،وبدأ اهلها يتناثرون كبالونات عيد في شوارعها، فرحين بهذا الهدوء الحذر، والذي لا يعرفون كم سيطول، عادت مرة اخرى لهذا الصمت المدوي الذي يلفه خوف من بريق قد ينفجر ويرتفع دخانه الابيض في الهواء ليغطي شمسنا الشاحبة، ساحبا ورائه الدخان الاسود الذي سيخلف لا محالة جثثا كانت قبل لحظات تمتلك احلامها، وتخطط لمستقبل لا تعرف انه سينفجرويتوقف بعد لحظات. وهناك عين تتفرج على ذلك دون ان يرتعش لها جفن..وسط هذا الكم الهائل من الحزن واليأس تطالعنا التصريحات التي تقدم الوعود مجانا، او تتحدث عن حكومة ستتشكل، وحتى ذلك الحين، ربما يتحقق قول تلك المرأة التي ارتعشت كلماتها بين بكاء يوشك ان ينساب من روحها وعينيها وهي تصرخ امام الكاميرا: :ما الذي يريدونه منا، قالوا انتخبوا فانتخبنا، فلماذا نقتل بسبب تهافتهم على كراسي السلطة، هل يريدون منا ان نترك لهم العراق ونرحل".. فعلا ما الذي يريدونه منا، لكي لا تشتد الخلافات بينهم، ومع تفاقم هذه المحنة، تتوزع المفخخات في شوارع تلك العاصمة التي نست اسمها واهلها، وسترحل عنا الى مكان قد نجهله.. من سيعوض تلك الارواح التي رحلت قبل ان يكتمل حلمها باليوم المقبل..يزداد خوف العراقي مع كل انبثاق جديد لتجمع سياسي او ديني او قومي، لأننا  شعب لا يحب ولادة الاشياء، ليقيننا انها ستوأد قبل ان يكتمل نموها، وان ميلاد أي تجمع سياسي جديد، يعني بالنسبة لنا جبهة خلافية اخرى، وكل جبهة تعني بالتالي ساحة قتال، لا يعرف اي منا من هو الصديق فيها، ومن هو العدو..نحن شعب تاه منذ زمن بعيد، وفقد خلال رحلة التيه هذه احساسه بالاماكن، واصولها، فقد قدرته على معرفة اين يكمن النور، لان ظلمة الدخان الاسود، غطت منافذ النور، ومنها نور الحياة..شعبنا يزحف بجزع من اجل الوصول الى نقطة امل كان يريدها، لكن آلة العنف تزحف نحو احلامنا فتبتلع الحلم والرأس الحالم.نحن شعب يتشبث بألامل مهما تضاءل حجمه، لكن الامل مقيد في قبو تحرسه اشباح الظلام  التي جعلت بغداد تئن تحت جنح الليل، وتبحث عن أناسها الذين نستهم زواياهم وهجرهم الفرح، بغداد تتغطى بترابها الذي ابتلع لونها الاخضر، وصفاء سمائها،بغداد صورة مخفية بين الحب ووريد القلب، بين السر والحب، انها الصورة التي نحفظها في  جفوننا، لاننا نردد لها:بغـداد.. أنت..أنت.. في دمي.. رغم ان دمنا ينساب في الشوارع دون ان يقول العالم المحيط كلمة حق فيه..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram