TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > ما العلاقة بين هير العربية: ريح الصبا والربة اليونانية هيرا Hera؟

ما العلاقة بين هير العربية: ريح الصبا والربة اليونانية هيرا Hera؟

نشر في: 13 نوفمبر, 2017: 09:01 م

يذكر لسان العرب من أَسماء الصبا إِيْرٌ وأَيْرٌ وهِيرٌ وهَيْرٌ وأَيِّر وهَيِّر. وهو أمر يجعلنا نتوقّفت أمام هِيرٍ وهَيْرٍ، لأنها تستدعي الربة اليونانية هيرا Hera. فهل نقوم باشتقاقات لا أصل ولا فصل لها؟
عند مراجعة اشتقاقات الاسم هيرا اليوناني نجد أنهم يقترحون عدة فرضيات مُتبادَلة، من بينها إمكانية ربطه بالكلمة اليونانية (هورا) التي تعني الموسم، وتأويله بالتالي على أنه يعني المهيَّأ للزواج، ووفقاً لأفلاطون تعني الكلمة”الحبيبَ، العاشقَ، ذا الهَوَى”استناداً إلى قول زيوس بأنه”تزوّجها عن حبّ، هوى". ووفقا لبلوتارخ، فإن هيرا اسم مجازيّ وجناس ناقص لمفردة”الهواء aēr"، من هنا فهي ربّة النساء والزواج والولادات، كما أنها كانت مُرشدة بحّارة للسفينة الأسطورية آرجوس. السفينة؟ أليس لذلك علاقة ما بالريح (الصبا؟) ودلالاتها العربية العشقية والأيروسية (أير)؟
في اللسان أيضاً نقرأ قولهم (ذهب في اليَهْيَرِّ) أَي في الريح. وقولهم (أَكذبُ من اليَهْيَرِّ) وهو السراب. وقال الليث (اليَهْيَرُّ اللَّجَاجَةُ والتَّمادِي في الأَمر)، وهذان من صفات الربة هيرا مع زوجها زيوس. أما يَهْيَرَّى العربية، قالوا هو من أَسماءِ الباطل، وهذا يشبه الحديث عن الريح والسراب. ويقال تَيْهُور للرمل الذي يَنْهار.
في العربية ثمة علاقات مركّبة بين الهواء (تحت الفعل هوا) وكلّ من: الفراغ والسقوط (هَوي) والعشق الذي قال ابن سيده عنه إنه”يكون في مداخل الخير والشر". وهَوى النفسِ إِرادتها، والجمع الأَهْواء. قال اللغويون الهَوَى محبةُ الإِنسان الشيء وغَلَبَتُه على قلبه؛ وفي القرآن”ونَهى النفْسَ عن الهَوى". ورجل هَوٍ ذو هَوًى مُخامِرُه. وامرأَة هَوِيةٌ لا تزال تَهْوى. ويقال للمُسْتَهام الذي استَهامَتْه الجنُّ (اسْتَهْوَته الشياطين)، أي هَوَتْ به وأَذْهَبتْه، جعله من هَوَى يَهْوي، وجعله الزجّاج من هَوِيَ يَهْوَى أَي زيَّنت له الشياطينُ هَواه. والهَواهي الأباطيل واللَّغْو من القول. والهاوية والهوّة الحفرة العميقة والمهوى الخطير. لكن الهاوِية كذلك اسم من أَسماء جهنم (وها نحن في صلب الميثيولوجيا القديمة). وهَوَت يدي للشيء وأَهْوَتْ امْتَدَّت وارْتَفَعَت. وهَوَتِ الرِّيح هَوِيًّا هَبَّتْ. والمُهاواةُ هي المُلاجَّةُ [المماحكة]. وتقول هَوَت أُمُّه فهي هاويةٌ أَي ثاكِلةٌ. والهواء في لسان العرب هو الجبان لأنه لا قلب له فكأنه فارغ.
إن علاقة الهَوَى = العشق العربية (المفردة الموصولة اشتقاقيا بالهواء) بهيرا اليونانية الهوائية والموسمية تستحق التأمل دون تبسيط مخلّ. فهي حامية النساء وربة الزواج، والوصية على خصوبة الزوجين، والنساء أثناء الولادة. وهي غيور جداً من خيانات زوجها زيوس. وبصفتها ربة الزواج الشرعيّ فلم يكن لديها قط في الحكايات اليونانية أيّ عاشق. عربياً يمكن فهم الربة هيرا بصفتها رديفا لريح الهير، وللأيروس بالمعاني العشقية والجنسية كليهما.
بعض الباحثين مثل فرانز رولف شرودر يقترح مقارنة اسم هيرا بالاسم”الهندو أوروبيّ”أييرا yērā الذي يشير إلى مفردة السنة (year) الإنكليزية و(Jahr) الألمانية. أما الباحث جان هودري فهو يُحدّد معنى السنة أييرا yērā بدلالة الموسم الجميل في عام من الأعوام، وهذا يُقارَن بمعنى المفردة اليونانية والروسية القديم (جارو أو يارو jarǔ) أي الربيع، الموسم الجميل. هذا الاشتقاق يكشف عن الطبيعة الأصلية للربّة هيرا، ودلالة اتحادها مع الرب زيوس على أنه سماء نهار صافٍ: عودة الجزء المشرق من السنة. أما هيرا حاملة حياة إمبيدوقليس فهي إذن”جالبة الحصاد الوفير": ريح خصبة.
كل ذلك يُعزّز العلاقة المقترَحة، لكن دون يقين قاطع، لأن السؤال هو كيف انتقلت الدلالة اليونانية (وربما العكس) إلى لغة سامية كالعربية؟ للإجابة على السؤال علينا رؤية وجود أو عدم وجود ربّ أو ربة ساميّة تتكوّن من الحروف هـ ي ر، أو ما قَرُبَ منها. لا نعتقد بوجود ربة عربية مماثلة، سوى أن يكون اسم العلم السامي القديم حيرام (Hiram) أو أحيرام. وهذا أمر مستبعد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

ثقافة إعاقة الحرية والديمقراطية عربيا

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram