أكد مختصون بالشأن الاقتصادي والنفطي، أن العراق متضرر اقتصادياً من اتفاقيات الحفاظ على المناخ، لأن الضوابط التي تضعها هذه الاتفاقيات على انتاج وصناعة واستخراج الوقود الاحفوري "النفط ومشتقاته" يلحق ضرراً باقتصادنا، وعلينا أن نعي في سياستنا الخارجية مصلحة العراق ولا نندرج مع العالم اندراج المتلقي السلبي، خاصة وإنها تقلل الطلب على النفط الذي يعد المورد الوحيد لنا، مؤكدين في الوقت ذاته، إن العراق يدفع ضريبة مالية تقدر بمليارات الدولارات منذ 15 عاماً لتطوير منشآته النفطية، الأمر الذي يعني أنه يصرف أموالاً إضافية على البيئة.
وكانت نحو 171 دولة وقعت بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بتاريخ 16 نيسان 2016 على اتفاقية باريس للمناخ، وفي وقت تُعتبر الصين والولايات المتحدة المسؤولتين عن نحو 38 % من الانبعاثات على مستوى العالم، لكن الرئيس الامريكي الجديد دونالد ترامب، أعلن في الثاني من حزيران الماضي، الانسحاب من الاتفاقية، الأمر الذي عدّه البعض انتكاسة عالمية.
وتهدف اتفاقية باريس حول المناخ الى الحد من ارتفاع درجة حرارة الأرض إلى "ما يقل كثيراً" عن درجتين مئويتين فوق مستويات ما قبل الحقبة الصناعية ليصل إلى 1.5 درجة كمستوى مثالي، على أن تلتزم البلدان الموقعة على هذه الاتفاقية بالتطوير والتوظيف التجاري لتقنيات منخفضة الانبعاثات، وتسعى للاعتماد بدرجة أكبر على تكنولوجيا الطاقة الشمسية والوقود الأكثر نظافة، حيث يرى الخبير الاقتصادي أحمد بريهي في حديث لـ(المدى)، أن انضمامنا الى اتفاقية الحفاظ على المناخ لا تخدم العراق، بل حتى لا توجد اية عوائد اقتصادية للبلد جراء ذلك الاتفاق، مستدركاً: فاتفاقيات المناخ تضع ضوابط بالدرجة الاولى على مقذوفات المواد (الهايدروكاربون) تلك المنبعثة من الوقود الاحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، ومحاولة تقليصها تدريجياً، كما تشجع على المصادر البديلة للوقود التي تسمى المتجددة من الشمس والرياح.
بريهي موصلاً قوله: كما أن تلك الاتفاقات تتضمن تشجيع انتاج الوقود من المصانع الحيوية من النباتات، الامر الذي يعني أن تلك الضوابط ستقلل الطلب على الوقود الاحفوري ومنه تقلل الطلب أيضاً على النفط، ولذلك هي ليست من مصلحة العراق، كما انها ليست من مصلحة البلدان المنتجة للنفط، مردفاً بالقول: نعم هي مفيدة للعالم وضرورية للإنسانية، لكنها لا تخدم مصالح العراق الاقتصادية، ومع الأسف هنا يوجد تعارض بين مصلحة العراق وبين العالم في اتفاقيات المناخ، فانضمامه لاتفاقية المناخ قد تكون وراؤها ضغوط سياسية أو ربما هي مجاملة، لكنها لن تخدم العراق اقتصادياً، بل حتى عملية ترويج بعض الدوائر الحكومية العراقية لإنتاج الوقود من المصادر البديلة كالشمس والريح والمياه، أمر ليس في خدمة العراق لأننا بلد نعيش على النفط والغاز ومصلحتنا تكمن في استمرار وزيادة الطلب على النفط.
يجب أن يدرك الجميع، أن هناك تناقضاً في المصالح بين السياسة والاقتصاد، وعلينا كمختصين واعلاميين في الشأن الاقتصادي، ايقاظ الوعي بشأن هذا التناقض، لأن هناك خداعاً للوعي بهذا الشأن، ومازال الحديث للبريهي حيث يرى: أن مصلحة البشرية نعم هي ايجاد ضوابط للسيطرة على المقذوفات (الهايدروكاربونية) كما أشرنا من اجل حماية البيئة، لكن ومع الأسف الشديد، إن العراق اقتصاده يقوم على النفط، بالتالي فإن هذه الضوابط على الوقود الاحفوري تلحق ضرراً كبيراً باقتصادنا وعلينا أن ندرك هذا التناقض ونعيه جيداً في سياستنا الخارجية وفي التزاماتنا ولا نندرج مع العالم اندراج المتلقي السلبي.
وكان العراق قد وقّع رسمياً في كانون الأول 2016 على وثيقة الانضمام الى اتفاقية باريس للتغييرات المناخية بمقر المنظمة الدولية في نيويورك، فيما اكدت وزارة الصحة والبيئة في حينها أننا اصبحنا جزءاً من اتفاق باريس الى جانب دول عظمى تسعى الى خفض نسب الغازات والسيطرة على التغييرات المناخية التي تواجه العالم، وذلك كون العراق تأثر بشكل مباشر نتيجة هذه التغييرات ويسعى من خلال هذه الاتفاقية الى تخفيف اثار التغييرات المناخية على بيئته، حيث ترى الأمم المتحدة، أن العالم ربما يشهد ارتفاعاً لدرجة حرارة الأرض يقدر بثلاث درجات بحلول العام 2100.
من جانبه يؤكد الخبير في الشأن النفطي حمزة الجواهري في حديث لـ(المدى)، أن العراق ووفق عقود جولات التراخيص النفطية سواء لإنشاء أو إعادة تأهيل المصافي سعى الى أن تكون وفق أرقى المعايير الدولية بالنسبة الى الحفاظ على البيئة، لكنها بالحقيقة كلّفت العراق مبالغ مالية كبيرة لتلك المشاريع، سواء كانت مشاريع استثمارية اجنبية أم المشاريع الاستثمارية من قبل الدولة، موصلاً: ولو لاحظنا الآن، إن جميع المنشآت النفطية الحديثة التي اقيمت خلال العشر أو الخمس عشرة سنة الماضية، كانت كلها تحافظ على البيئة، وهذا الأمر نعم جعل العراق اكثر تقدماً في انشاء المصافي للنفط أو للكيماويات أو لمنشآت الاستخراج، حتى اننا اليوم بصدد انشاء مصافٍ تسمّى (اليورو فايف) و (اليورو سكس) وهذه تعد آخر ما انتجته التكنولوجيا العالمية للحفاظ على البيئة والمناخ.
من جهة أخرى، فإن عملية تحديث المصافي القديمة أيضاً تراعي المعايير الدولية في الحفاظ على المناخ، لكن ومما يؤسف له، فإن آثارها ليست ايجابية على الاقتصاد للبلد.
فالعراق يدفع ضريبة من خلال هذا التطور والزيادات في منشآته النفطية، كما يقول الجواهري: موضحاً: اننا عندما نبني مصفى اليوم بتقنية من (اليورو تو) الى (اليورو سكس) يكون لدينا فارق بالأسعار ليس بالقليل، وهو اكثر من مليار دولار أو حتى قد يصل الى المليار ونصف المليار لكل مصفى، وهي أموال اضافية تُدفع من أجل أن يتم الارتقاء بالصناعة الى ما يناسب المعايير الدولية للحفاظ على المناخ، مستطرداً: نعم الحفاظ على البيئة قد ينفع العراق من جانب، لكن هو أيضا مكلف له من جانب آخر، وهي مشكلة لأننا حتى نراعي الحفاظ على البيئة، يجب أن نصرف المزيد من الأموال، مما يعني أننا ننفق على تلك البيئة.