علي النعيمي لا اعرف كيف سقطت مني هذه الورقة في درج النسيان حينما عقدت العزم على اطلاقها احتفاءً " بيوم المرأة "ولتكن تهنئة متأخرة لتلك التي تجسدت لنا بصورها المتعددة منها وجه والدتي ومداد حنانها وهي في " ملكوت الله " كأنها همسات الحبيبة وهي تعانق دعاء شقيقتي لي بالتوفيق في مشواري مع الغربة لكن تلك الورقة الصفراء المعتقة بسفر تاريخ حضارتنا أعطتني نضارة فكرية وبعداً تأمليا شاسعا لحظة انتشالي لها من بين حقب القرون السالفة.
" اينخدوانا " تلك السومرية (سمراء بنت الجنوب) التي نفضت غبار الرتابة عن مجتمعها وسحبت بلاط الشهرة من تحت إقدام رجال عصرها والتي سبقت شاعرة اليونان " سافو " بنحو17 قرناً " اينخدوانا " سجلها التأريخ المعاصرعلى انها أول شاعرة وناقدة ، بل وكاتبة في الكون ، لم يتوقف إبداعها عند صورها الشعرية المنحوتة جنب وجهها في " مسلة أور " ، بل أن هذه الرافدينية تميزت بواقعية نقدها لمجتمعها القديم آنذاك.قسماً لو كانت هذه الأسطورة تعيش معنا اليوم لأنتفضت لبنات جنسها ليس فقط انتصافا لهن للحد من هيمنة مجتمعهن الذكوري إنما لشحذت هممهن لتدعوهن الى ممارسة الرياضة ولقالت أين دوركِ يا حواء لما يدور من حراكٍ رياضي لكن هذا المشهد سيتوارى فجأة كما غيّب من قبل صورهن البهية من ميادين التنافس!في حين راح البعض يترحم على تلك الأيام عندما كانت المرأة تحضر بكامل زينتها وأناقتها وهي تجلس على مدرجات ملعب الكشافة جنب ذويها! فلم نعد نسمع اليوم بأسماء رياضيات رائدات أمثال (ناهضة وسلمى الجبوري وماجدة المعمار والثلاثي عالية وفائزة وراجحة كاظم وأم رعيل وإيمان صبيح وإيمان عبد الأمير ودينا سعدون ودلال كاظم وكفاح وافتخار جمعة وليلى وغزة فرنسيس ورجاء جبار وريتا وفاتن جورج وزينة ضياء ، وأخيراً ميساء حسين ونورا باسل وأخريات.لن نبالغ اذا قلنا بأن رياضتنا النسوية تألقت ردحا من الزمن وشهدت قمة أوجها في بداية العقدين السبعيني والثمانيني لكن الإهمال طوى صفحاتها المشرقة لدرجة إننا بدأنا نقتفي أثرهن باحثين عن أي تواجد نسوي أو مشاركة فاعلة وأن حدثت فأنها ستكون خجولة كأنها تغطي رأسها بربطة " تكملة العدد " تتبرقع بوشاح الخسائر الكبيرة في حين يحدونا الأمل بعودة تلك الروح وهي تشارك رفيقها الرجل في ميدان الرياضة من جديد كون أن حواء وصلت البرلمان السياسي بجدارة.لذا نريدها أيضا حاضرة على ارض الملعب متجددة بأفكارها تمارس النقد والكتابة بكل أنواعه وتعبر عن تطلعاتها ورؤيتها للواقع الرياضي ومختصة في التحليل الرياضي في كرة القدم وسائر الفعاليات ولا نريدها فقط شبح امرأة رياضية تطل علينا ببهاء جمالها كمقدمة للبرامج أو مذيعة رياضية لا تعي تفاصيل ما تقوله.لكن أما آن الأوان لنغير بعض من مفاهيمنا الاجتماعية التي مهما اختبرت بمحن وتجارب قاسية فلابد من فسح المجال لفضاءات الرياضة النسوية رغماً عن تلك الأصوات الاقصائية الرافضة لتواجدها في هذا المعترك الحيوي ما سيؤدي إلى انتشارها بشكله الصحيح مع ترسيخ مفاهيم التنافس الشريف والرغبة الصادقة في مزاولة اللعبات؟قديماً قالوا: " إن الأمم الضعيفة لا تصنع الإبداع " ونضيف عليه قائلين بأن " الأمة التي لا تزال ترى واقع مجتمعها بعين ذكورية عوراء وتثقف لتجميد دور المرأة في الحياة وتؤمن بإقباعها خلف قضبان طقوس (تقاليدنا المقدسة) المستوحاة من مورثنا الشرقي الغابر ، لا ينتج لنا رياضيات مبدعات وعالمات مثقفات كأسطورتنا العراقية الخالدة " اينخدوانا ".
رؤى بلا حدود: أين أنت يا " اينخدوانا "!
نشر في: 13 إبريل, 2010: 04:52 م