TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الرواية: صعود التل حتى النهاية

الرواية: صعود التل حتى النهاية

نشر في: 4 نوفمبر, 2017: 09:01 م

أعـِدّ كتاب ( فن الرواية ) لكولن ويلسون من بين أهم الكتب الأساسية التي تناولت صنعة الابداع و الفن الروائي وحرفية هذا الفن وأسراره ، وأستطيع القول- أنا التي قرأت معظم أعمال ويلسون وترجمت سيرته الذاتية ( حلم غاية ما) - إن كتاب فن الرواية كتبه أستاذ بارع وكاتب شغوف بالفن الروائي يؤمن إيمانا لاحدود له بمستقبل الرواية وأهميتها في حياتنا كتّاباً وقراءً.
كان كولن ويلسون – الذي ترجمت له حوارات ومقالات نظرية عدة – كاتباً استثنائيا ومفكراً ديناميكياً مؤسساً تجاوز عدمية الوجودية الفرنسية بوجوديته المنطوية على حس رقيق بالتفاؤل، إضافة إلى أنه مؤرخ انثروبولوجي وباحث فلسفي مرموق واستحق أن يطلق عليه البعض وصف ( هيدرا معرفية ) ، والهيدرا - كما نعلم - كائن اسطوري بسبعة رؤوس ، وينطبق هذا التوصيف على ويلسون الكاتب الدؤوب والمفكر الواسع المعرفة متعدد الاهتمامات .
يلخص ويلسون في الفصل الأول من ( فن الرواية ) رؤيته الخاصة لعملية الكتابة الابداعية ويصفها بأنها (عملية شاقة كالصعود إلى أعلى التل ، حيث يتساقط الضعفاء بينما يواصل الأقوياء بهدوء ليصبحوا كتابا جيدين ) .
في خاتمة هذا الكتاب ثمة ( خلاصات ) يكثف فيها ويلسون خبرته ورؤاه الشخصية وقد ترجمت أجزاء أساسية منها اضفتها الى القسم الاول من كتاب ( حلم غاية ما) بعنوان ( رؤية روائية ) ، يقول ويلسون ( أبتغي عرض وجهات النظر الخاصة بي حول الرواية والفن الروائي بعامة ولكني أفضل أولا تلخيص الأفكار الأساسية في هذا الكتاب) .ويثبت ويلسون في ملخصه : أن الرواية هي في المقام الأول محاولة لابتكار مرآةٍ يستطيع الروائي من خلالها رؤية وجهه وهي بهذا الوصف محاولة لخلق الذات وتوكيد وجودها) ؛ فتقديم صورة الكاتب والتعريف الواضح والحاسم بها يعني أن هدف الفن الروائي والفنون جميعها ليس نقل الواقع أو وصف الحقيقة بوضع مرآة أمامهما ، بل وضع المرآة أمام وجه الفرد ، وجهه الخفي المستتر الذي لانراه في الحياة اليومية المعنية بظاهر الأمور وعابرها.
هناك أنواع من المرايا التي يمكن استخدامها للكشف عن الوجه السري اللامنظور، فثمة المرايا المستوية التي تعكس ماهو أمامها وتماثل الروايات الحكائية الواقعية التي يمارسها كتاب مبتدئون يحكون سيرتهم واعترافاتهم ، وهناك المرآة المحدبة الصغيرة التي تشوه الوجوه ، وثمة المرايا المحدبة التي بوسعهاعكس صورة بعدسة متسعة الزاوية، وبالتالي فإن هدف الرواية ومسعى الكاتب المتمرّس ليس إظهار الواقع كما هو بطريقة فوتوغرافية ، بل تحريك وجدان القارئ وجعله قادرا على وعي وجوده وتجربته الانسانية خلال القراءة ، بمعنى آخر، يساعد الروائي قارئه على إدراك حريته، فيقوده عبر دروب الرواية ومنعطفاتها الى النقطة النهائية التي يرنو اليها القارئ في آخر متاهة الرواية ليشعر كلاهما ببلوغ حريته والارتقاء بعالمه.
يؤكد ويلسون إن مسعى الرواية لايميل الى خلق عالم منعزل ومستقل للكاتب بقدر مايعينه على الخوض في عالم الأفكار ؛ فالرواية تجربة فكرية تسعى الى تحقيق الحرية، وعبر هذه التجربة يكتشف الكاتب القدرة على الارتقاء بذاته وقرائه أيضا ، وسوف يكفّ القارئ الذي يستمتع بقراءة رواية تشدّه بقوة عن الإحساس بالعجز والزوال ، ويبلغ بعض القراء حالة من الاستمتاع والتحفيز تعينهم على الحلم و تخطي واقعهم المحبط ، وبوسع الروايات العظيمة تغييرمنظور القارئ لنفسه والحياة وإطلاق قدراته لتجاوز المحدودية الفيزيائية البشرية وإيقاد شرارة القيم الخفية في وعيه فهي في النهاية محاولة للصعود الممتع نحو الأعالي.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram