حاولت الزوجة أن تقف على قدميها عندما سمعت صوت زوجها يدخل البيت، ولكنها لم تستطع، كانت تريد أن تسارع باستقباله كما اعتادت سابقاً، وقبل أن يصيبها ذلك المرض الذي جعلها طريحة الفراش ولا تستطيع خدمة زوجها الذي تحبه من كل قلبها، انسابت دمعة حزينة من عينيها وهي تسمع صوت ابنائها يهللون فرحاً لعودة والدهم الذي طبع قبلة حانية على رأس كل واحد منهم قبل أن يتوجه مباشرة الى غرفة النوم ليطمئن عليها...
حاولت أن تقف مرة ثانية لتستقبله، ولكنه سارع نحوها ووضع يده على كتفها بحنان وهو يطلب منها ألا تتحرك من مكانها، امتلأت عيناها بالامتنان وهي تضع يدها على يده، كما لو كانت تشكره على حنانه وتحمّله لمرضها الذي طال وجعلها غير قادرة على القيام بواجباتها، كما جعله غير قادر على تحمل نفقات علاجها، فقد كان علاجها يحتاج الى مئات الآلاف من الدنانير... ولا يتوفر هذا العلاج سوى بالخارج، حيث وصف لها أحد الأطباء العلاج واجراء العملية في أحد مستشفيات الهند ... فعل الزوج المستحيل لتوفير هذا المبلغ، ولكن دون فائدة ! تكاليف العلاج الباهظة كانت اكبر من قدرة حدّاد فقير مثله، خاصة وهو ينفق على تعليم ابنائه – لذلك حاول أن يقترض من بعض اصدقائه واقربائه ولكن دون فائدة. تغيرت ملامح زوجها منذ أصابها المرض في القلب، تمكن الهم منه فجعله دائماً حزيناً مهموماً، ولكن في ذلك اليوم كان الحزن والهم اكبر بكثير من أي يوم آخر. انتابها القلق، فسألته عن سبب حزنه، فأكد لها أنه ليس حزيناً على الإطلاق بل بالعكس، فقد حصل على عمل جديد سيحصل منه على راتب مغرٍ يكفي لعلاجها وحل كل المشاكل المادية الأخرى، سألته الزوجة عن هذا العمل، فأخبرها أن أحد اصدقائه يمتلك معملاً للحدادة وأنه سيشغله معه في المعمل وسوف يدفع له مبلغاً محترماً مقابل قيامه وإشرافه على ورشة المعمل. لم تقتنع الزوجة بكلمات زوجها خاصة وهو يحاول أن يخفي حزنه وألمه.. كانت متأكدة أن هناك شيئاً ما يخفيه عنها!! لم ينم زوجها هذه الليلة – شعرت به وهو يتحرك في الفراش يفكر بعمق، سألته مرة ثانية عما يقلقه، ألحّت في سؤالها، فلم يستطع أن يخفي سرّه أكثر من ذلك.. أخبرها أنه كان جالساً في المقهى مع بعض اصدقائه يشكو إليهم همومه والأزمة المالية التي يعانيها عندما فوجئ بشخص يتدخل في الحديث ويخبره أن لديه الحل لكل مشاكله، فهو يعرف أحد الأطباء الذي يحتاج لمتبرع بالكلية ليقوم بإجراء عملية لأحد المرضى، وإن المتبرع سيحصل على 25 مليون دينار. اصيبت الزوجة بالذعر عندما علمت بأن زوجها وافق على أن يقوم ببيع كليته مقابل هذا المبلغ لينفق على علاجها، توسلت إليه لكي لا يقوم بذلك، ولكنه مسح بيده على شعرها وهو يقول لها، إنه مستعد للموت من أجلها. قام الزوج بعد أيام ببيع كليته، أجرى العملية تحت اشراف طبيب جرّاح في أحد المستشفيات الأهلية، وانتظر الحصول على المبلغ الذي اتفقوا عليه، ولكنه فوجئ بذلك الشخص الذي قابله في المقهى وكان الوسيط يعطيه نصف المبلغ فقط بدل من المبلغ كله.. ويخبره أن هذا هو حقّه من بيع الكلية، حيث أخذ هو ربع المبلغ والمستشفى التي أجريت العملية له أخذت الربع الباقي..!! لم يصدق الحدّاد ما سمعه، عرف أنه تعرض الى عملية احتيال على يد الشخص الذي أخذ المبلغ كله لنفسه بعد أن راجع ادارة المستشفى وتأكد من ذلك وأخبره الطبيب بأنه أخذ فقط أجرة العملية، رغم آلام العملية وآلام زوجته، أخذ المبلغ من الوسيط الذي غاب من الجلوس في المقهى وهرب الى جهة مجهولة. اضطر الحداد أخيراً الى إخبار مركز الشرطة بذلك وتسجيل إخبار بالحادثة والاحتيال الذي وقع عليه، وطالب بإلقاء القبض على الوسيط الذي لا يعرف حتى اسمه!.. تولى التحقيق في هذه القضية الإنسانية ضابط كفء وأجرى تحقيقات عدّة، ولكنه لم يتوصل إلى الفاعل لغاية الآن.