نفقد أملنا بمستقبل البلاد حين يكون عدد المساجد والحسينيات والمضايف أكثر من المدارس والمستشفيات، ونفقده أيضاً، حين يكون عدد الطلبة، الذين تركوا الدراسة والراسبين في المراحل الابتدائية والمتوسطة والثانوية أكثر من العابرين إلى المعاهد والجامعات، ونفقده كلما إذا امتلأت شوارعنا بالنفايات وليس بيننا من تأخذه الحمية على كنس عتبة داره، وسنظل نفقده كلما شهر أحدهم بندقية بوجه جيرانه، كلما ارتفع صوت الطالب على معلمه، كلما تفادى مدير دائرة أحد موظفيه، ولم يوجّه العقوبة التي يستحقها، لأنه ينتمي لأحد الأحزاب المسلحة.
وسنفقد الأمل ببناء بلادنا، ذلك لأن عدد رجال الدين والائمة والخطباء والمشايخ والمؤذنين والرواديد، بات يفوق عدد المدرسين والأطباء والمهندسين، وسيتأكد فقدنا له إذا علمنا بأن اليائسين من شفائهم في المستشفيات وعيادات الأطباء سيذهبون إلى العرّافين وفتاحي الفأل، سيعلقون آمالهم في الشفاء على الأضرحة، وتحت المنابر وبين الرايات، وسيكون مستقبل البلاد بيد المجهول إذا كانت سلة الغذاء العراقية تأتينا من خارج الحدود، ووقود سياراتنا من غير مصافينا، وأعلاف حيواناتنا – إن ظلت لدينا حيوانات- مما تطحنه رحى جيراننا، وسيكون كذلك إذا كنا غير قادرين على صناعة حفاظات لأطفالنا.
شوارعنا السالكة ذات الأرصفة النظامية أقل بكثير من شوارعنا المهجورة، بفعل الحفر والمطبّات والكلاب السائبة، مساكننا المشغولة بالمتجاوزين والعشوائيات أكثر من مساكننا الشرعية، واجهاتها النظيفة المصبوغة أقل بكثير من المشوّهة والمحكوكة منها، أسواقنا القذرة بباعتها الموتورين أكثر بكثير من أسواقنا بالمولات ذات الباعة البالشين بنا. ضباطنا وجنودنا الذين يحبون الوطن ويحلمون بمستقبله أقل بكثير من أقرانهم، من ذوي الولاءات الجهوية، ممن ينتظرون الراتب أكثر من انتظارهم للحظة قيامة العراق، التي لا تتم إلاّ على أيدي الشرفاء منهم، هل نقول إن عدد العسكريين الدمج بات يهدّد مستقبل العسكريين الحقيقيين؟ هل من حلم بمستقبل، في بلاد حالها كهذه؟
يسمّي اليابانيون وضع التلفون على الصامت بوضع الأخلاق، فيما يعد الصوت المرتفع والضحيج عندنا فحولة وبطولة، وتفاخر المرأة في العالم المتقدم بجمالها، فيما نراكم نحن على نسائنا بالمزيد من الثياب السود، يتعلم اطفال العالم الموسيقى في المدارس والبيوت ودور العبادة، فيما نعلم أطفالنا كيف يشجون رؤوسهم بالمُدى والسكاكين الطويلة، يسأل الأوربي عن الطعام إن كان نظيفاً وبسعرات أقل، فيما نسأل إن كان الطعام حلالاً ومذبوحاً على الطريقة الإسلامية. تخطط الحكومات في العالم لمستقبل ما بعد النفط، ويتفنن المسؤولون المحليون في كيفية جذب المستثمرين والنهوض بواقع السياحة، فيما تتفنن حكوماتنا في جعل حياتنا مرّة علقماً، فلا حديقة عامة ولا شارع نظيف ولا ساحل يعتنى له، مدننا خالية من المتع، البريء منها وغير البريء.
نفقد الأمل في مستقبل البلاد إذا كانت البنادق والأسلحة في البيوت العراقية أكثر من عدد الكتب والأقلام والمحابر، ونفقده إذا كانت الدشداشة واليشماغ والعقال وسيلة تهديد لا زيّاً يُحترم، ونفقده كلما ارتفعت راية الحزب والقبيلة على راية البلاد، وكلما دوى صوت مفرقعة وضاع صوت كمان.
دوى صوتُ مفرقعة وضاعَ صوت كمان
[post-views]
نشر في: 17 فبراير, 2018: 09:01 م