بينما كنتُ منشغلاً بالحديث مع مجموعة من الفنانين العرب الأصدقاء، اقترب بنا الباص من شارع الخليج العربي، ليقف أمام بناية بيضاء كبيرة. تَطَلَّعتُ من خلال النافذة، لألمح الباب الخشبي الكبير الذي إنتصبَ على الواجهة، وقد علته يافطة كُتِبَ عليها (متحف الفن الحديث في الكويت). دخلنا المتحف لنجد أنفسنا داخل بناء شرقي جميل، تتوسطه باحة مربعة الشكل وبأرضية زرقاء داكنة، وقد توزعت القاعات بطابقين على جوانبها الاربعة، بطريقة ذكرتني بمتحف بيكاسو في مدينة ملقا الاسبانية.
وقفت وسط الباحة، ليغمرني ضوء الشمس الذي تخلل السقف الزجاجي وانعكس على الوجوه والتماثيل والارضية بطريقة ودودة ودافئة. طفت في هذا البناء الذي يعود تأسيسه لسنة ١٩٣٩، والذي كان عبارة عن مدرسة توقف العمل بها، وأهمل البناء فترة طويلة من الزمن، ليعاد بناؤه وترميمه من جديد ليتحول الى هذا المتحف. تجولت بين القاعات ووسط اللوحات المعروضة التي تشير الى فنانين ينتمون لأجيال مختلفة، من الكويت ودول عديدة أخرى، لأقف أمام لوحة الفنان يوسف أحمد وأتأمل تقنيته ومعالجاته المبتكرة للسطوح وخاماته الخاصة التي تمثله وتمثل رؤيته الفنية، حيث استخدم الورق اليدوي المصنوع من سعف النخيل، وبعض الاصماغ الخاصة والعجائن، ليقدم لنا لوحة مؤثرة وتحمل الكثير من الخصوصية. وفي ذات القاعة أجد نفسي بمواجهة لوحة لا تخطؤها العين للفنان اللبناني بول غراغوسيان الذي ثَبَّتَ شخصياته المتراصّة مع بعضها على قماشته الكبيرة بضربات فرشاة واسعة وطويلة ليحيل العمل الى نوع من التجريد. وفي مكان آخر اتأمل لوحة الفنانة اللبنانية فاطمة الحاج (التي كانت ايضاً بصحبتنا في هذه الجولة) وأتطلع الى الشخصيات التي رسمتها بحرية وجرأة كبيرة، حيث تعيدنا أعمالها الى المدرسة الرمزية وتذكرنا بملونين كبار أمثال بونار وفولار. وهناك ايضاً البحريني إبراهيم بوسعدة ولوحته الجميلة التي تظهر فيها امرأة برداء وردي مزخرف، بينما يغطي أزرق الكوبالت كل الخلفية، ليمنح هيبة وتأثير لعموم المشهد.
قضيت بعض الوقت اتأمل أعمال فنانين عديدين مثل فاروق حسني وأمين الباشا وبدرور ريبالتا وسوزان كرايل وغيرهم، ليقودني السُلَّم من جديد الى الاسفل، حيث الباحة التي يملؤها الضوء، ليواجهني عمل نحتي جميل لعيسى الصقر، وهو عبارة عن امرأة جالسة بمحاذاة الحائط الابيض، تدير رأسها نحو بوابة المتحف، وكأنها تناشد الزائرين وتحثهم للدخول لمشاهدة الأعمال الفنية. وعلى جانب آخر استقرت منحوتة رائعة للفنان خزعل القفاص، تمثل راعياً مع ماعز، نفَّذَهُ بمادة الخشب، بطريقة مذهلة في توزيع الكتل والفراغات وبإسلوب تعبيري وطريقة ساحرة.
أما الفنان سامي محمد الذي يعتبر أهم فناني الكويت، فأعماله في هذا المتحف من فرط أهميتها تستحق متحفاً خاصاً بها (وأنا متأكد بأن هذه المسألة ستتحقق، عاجلاً ام آجلاً). تتوزع منحوتات هذا الفنان المهم على محيط الفناء كله تقريباً، وهنا راقبت بدقة كيف إنتقل من تقنياته المؤثرة على الخشب الى معالجات أكثر دهشة وقوة وصدمة وهو يقدم منحوتاته البرونزية التي اشتهر بها فيما بعد، وصنعت إسمه ووضعته في دائرة الضوء التي يستحقها. أقف هنا أمام ثلاثيته المذهلة (محاولة خروج) حيث إنتصبت ثلاثة مكعبات كبيرة جداً ومغلقة من البرونز، تخرج منها أيدي أو أرجل لشخصيات محبوسة في داخلها، شخصيات تتمرد وتَحْدِثُ شقوقاً في هذه المكعبات البرونزية، في محاولة للإنعتاق والخروج الى فضاء الحرية. هذه الاعمال التي قدمها سامي محمد في سبعينيات القرن الماضي، لم تصنع أسمه ومكانته التشكيلية فقط، بل عَرَّفَتْ العالم ايضاً بمكانة الفن التشكيلي الكويتي ووضعته على الطريق الصحيح.
متحف الكويت
[post-views]
نشر في: 17 فبراير, 2018: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...