يستهل الشاعر أحمد ساجت شريف مجموعته في أول صفحة بمقولة لأميل سيوران " أن تتألم يعني أن تكون أنت ذاتك تماماً ..." وهنا أدت هذه المقولة وظيفة إيحائية و أخبرتنا إن المجموعة عبارة عن قصيدة ألم طويلة تبحث عن جهة للخلاص وهذا واضح من عناوين نصوصه (اندحار، رجم، ظمأ، تيه ، يباس ، فقد ، ومتاهة وجه....) وان لا تملك هذا يعني العيش في دوامة الرغبة واستمرارية البحث للحصول عليها لأن الامتلاك موت للرغبة وان لا تملك جهة هذا يعني إنك تعيش في حالة تيه أو سكون
تيه أو سكون ؟ نعم ، في هذه المجموعة تكررت مفردة النافذة 17 مرة من أصل 45 نصاً تضمها المجموعة وهنا أدت تلك المفردة /النافذة/ دلالة واضحة لحالة البحث والهروب إلى واقع آخر أو الأمل المنتظر .
اختار الشاعر عنواناً لمجموعته ليس عنواناً لأحد النصوص كما يفعل الكثير بل اختار مطلع لأحد قصائده بعنوان ( قفل شاحب ) وكأنه قفل أبواب جميع الجهات ( أنت لا تملك الجهات ) وهنا ( أنت ) ضمير منفصل وهذا الانفصال لا يعطي أحقية فصل (الكاتب) واتهام المتلقي لكن تماهي ضمير المتكلم وجعل البوح بلسان الآخر وهذه إحدى سمات الحداثة ، ربما جعل البوح بلسان الآخر لإبعاد أصابع الإشارة عليه وحتى لا تكون مخصصة وجعلها معاناة أو محنة كل من يقع الكتاب بين يديه لكي يعطي الشاعر قيمة وحضوراً للمتلقي واستفزازه ومشاركته فعلياً .
يرى البعض إن هندسة النص عملية هامشية وشكلية لا تضفي أي جمالية للنص لكنها العكس تعتبر حالياً من أهم أدوات التعبير والتوصيل . ماذا لو سخر الشاعر فضاء الورقة لخدمة فكرته خاصة وانه ذكر مفردة البياض في نصه صفحة 27 كأن يترك مساحة بياض ثم يعود ليكمل نصه لكانت جمالية النص اكتملت إلى هذا الحد . لكن هذا لا يعني افتقار المجموعة للجماليات البلاغية لكنها مكمل الواحد للآخر .
بمجرد أن تبدأ في الفعل الماضي (كان ) يحيلك هذا الفعل إلى مشهد وصف أو واقعة حصلت ، في نص (عناق مؤجل ) - صفحة 19- يصف الشاعر بتقريرية مشهد اللقاء وما يؤكد حدوث هذا اللقاء تكرار جملة "لابد " ويبدأ بتسلسل معطيات العلاقة (لابد من مصادفة ، لابد من موعد ، لابد من قراءة الجسد ، لابد من الكتابة ، لابد من ذاكرة بلا صلب ، لابد من ثمرة ) إلى أن ينتهي هذا الحلم إلى جثة وكأن الشاعر حتى في حلمه لا يملك جهة للخلاص .
عندما يقترن اسم مع حرف الجر (إلى ) يؤدي هذا الحرف وظيفة غرضية (رثاء ، مديح ....) والشاعر له نص معنون (إلى سمير صالح ) والذي يحمل عنوان (لا تكترث ) وهذه الوظيفة الغرضية تجاوزتها قصيدة النثر والمجموعة تنتمي إلى هذا النمط من الكتابة ولكن الملفت في هذا النص انه يبدأ بسؤال ’’كيف لك أن تنجو من الوداع ؟ ’’ وينتهي أيضاً سؤالاً بلا معنى وكأنه خضع لنظام الدائرة انتهى من حيث بدأ وأنهى الجدل الذي أثاره في بداية القصيدة .
لو تناولنا المعجم الشعري للشاعر احمد ساجت شريف من العنوان كما ذكرنا سابقاً يحيلنا (للضياع ، التشتت ، الاندحار ، الظمأ ، والرجم ... ) ستجد هذه محنة الشخص العراقي أو هذا الإيقاع العام للوضع السائد باعتبار إن هذه الظروف هي التي أنتجت تلك النصوص ولا نستطيع إهمالها كيف لا وهو ابن مدينة عانت الويل والعوز والحرمان المدينة التي أعطت الكثير للموت مدينة الناصرية كيف لا تترك هذه الظروف أثراً في إيقاع الشاعر (نفس الشاعر ) وبالتالي انعكاسها على إيقاع المجموعة العام .
مراجعات: في مجموعة (أنت لا تملك الجهات) .... تملك بوصلة الشعر

نشر في: 12 فبراير, 2018: 12:01 ص