عندما حقق اكبر اتحاد نقابي صناعي في اوربا وهو اتحاد، اي جي ميتال IG Metal , الالماني للصناعات فوزاً ثميناً هذا الأسبوع مع 700 شركة صناعية، أصبح بمقدور 900 ألف عامل أن يحتفل بتحقيق ارتفاع بنسبة 4.3 % بالأجر وتقليل ساعات العمل الاسبوعية بأجور وفقاً لساعات العمل.
أهم امتياز حققه العمال في ألمانيا هو حقهم بأن يقلصوا ساعات عملهم الاسبوعية مؤقتاً الى 28 ساعة عمل، ورغم ذلك فإنهم سيتسلمون أجوراً عن الساعات التي يقضوها في العمل فقط. أي أن العمال بإمكانهم العمل ساعات أقل، إذا أرادوا ذلك مقابل آجر أقل.
السؤال هو، هل هناك من يفضّل أجور ساعات عمل أقل على ساعات عمل أطول وأعلى أجراً؟
يبدو أن الجواب المفاجئ في أوربا سيكون على قدر كبير بكلمة"نعم". وهذا ما يتناقض بشكل صارخ على ما يطمح إليه العمال في الولايات المتحدة، حيث يعملون هناك ساعات أطول وأطول واكثر من وظيفة لتلبية مايحتاجوه من نفقات.
قد تبدو اتفاقية ساعات العمل الألمانية على انها تطوّر صغير بالنسبة للمراقبين خارج البلاد هذا الاسبوع، ولكنّ محللين يقولون، بأن الاتفاقية تشير الى ما سيؤول إليه مستقبل العمل قريباً في المانيا وربما عبر اوربا بأكملها. واستناداً لاستطلاعات أجريت مؤخراً في النمسا والمانيا وفرنسا ومناطق أخرى، فإن كثيراً من العمال المستخدمين في كل المجالات الحرفية يميلون طوعياً الى مزيد من الليونة في ظروف العمل وأيام الراحة، أي بعبارة شاملة، تحقيق توازن افضل لظروف العمل، بدلاً من ظروف ساعات العمل الكاملة أو زيادة الأجر.
السبب في كون الأوربيين يسعون لتحقيق هذا النوع من ظروف العمل المخفّفة، هو أن مخاوف حرمانهم من امتيازات حال تقليص ساعات العمل هي اقل مما هي موجودة في الولايات المتحدة، حيث أن العمال هناك يخاطرون بفقدانهم للعلاوات وتغطية أجور الضمان الصحي حال رفضهم شرط ساعات العمل الكاملة. أما بالنسبة للعمال الأوربيين، فإن المنافع والامتيازات الاجتماعية غالباً ما تغطى من قبل حكوماتهم وليس من قبل الشركات الخاصة، ولهذا فإن امتيازات العمل لـ 40 ساعة بالأسبوع تبدو أقل اغراءً بالنسبة لهم.
عندما يقرر العمال الأوربيون تنفيذ جزء من ساعات عملهم فقط، فإنهم يبقون يتمتعون بنفس امتيازات الضمان الصحي التي تعمل على تقليص كلف معيشتهم بالمقارنة مع اقرانهم من العمال عبر الاطلسي في الولايات المتحدة. أنظمة أوربا الضرائبية تعني أيضاً العمل لساعات اطول قد لاينتج عنها مزيد من الدخل، حيث ان الضرائب تزداد وفق نسبة الدخل. في حين فوائد العمل لساعات اطول تبدو ضئيلة بالنسبة لكثيرين هنا في ألمانيا، بعض اضرار العمل لساعات أقل غالباً مايتم تغطيتها من قبل الحكومة.
وسائل تحقيق الفوائد بالنسبة للمواطنين الأكثر فقراً في ألمانيا يمكن أن تلبي جميع احتياجاتهم حتى لو كان معدل دخلهم اقل من اقرانهم في الولايات المتحدة، وذلك عن طريق توفير سكن ملائم لهم وفرص اكمال دراسة للأطفال الذين يقل دخل آبائهم عن معدلات معينة. ونتيجة لذلك، فإن العوائل ذات الدخل الأقل في اوربا، هم بشكل عام افضل حالاً من العوائل ذات الدخل المحدود في الولايات المتحدة.
بإمكان العمال أن يستفيدوا من مثل هكذا اتفاقات بسبب النقص المنتشر بالأيادي العاملة في بلدان مثل ألمانيا أو أوربا حيث يكون اصحاب الشركات بطلب لأصحاب المهارات من العمال. ويتوقع أن المانيا لوحدها ستعاني من نقص 3 ملايين عامل ماهر لديها بحلول العام 2030.
اصحاب الشركات في اوربا، تأملوا منذ فترة طويلة أيضاً من أن تقليص ساعات العمل قد تعزّز بالنهاية الانتاج خلال الوقت المتبقي، ولكن لغاية الآن، اغلب تجارب الشركات الحكومية فشلت في اختبار هذه النظرية أو اثبتت عدم البت بها. بينما عززت هذه التجارب الوضع المعيشي للعمال وكانت نتائجها ككابوس اقتصادي وربما غير عملية اذا طبقت على نطاق واسع، حيث أن ساعات عمل أقل تعني اسـتئجار مزيد من العمال وارتفاع كُلف إضافية مرفوضة.
مع ذلك فإن تخفيض ساعات العمل في ألمانيا هذا الاسبوع، لايقارن مع تلك التجارب. إنها حصيلة مفاوضات بين شركات كبرى وعمال بأنفسهم، وخلافاً للتجارب السابقة، فهي لاتسمح للعمال العمل ساعات اقل في حين يحافظون على معدل رواتبهم السابقة.
بدلاً من ذلك، فإن الاحكام الجديدة ستسمح للمستخدمين العمل لمدة 28 ساعة اسبوعياً على مدى سنتين، اذا رغبوا بفعل ذلك بغض النظر عن السبب. ولكن قد تكون هناك دوافع لذلك، بضمنها الرغبة بقضاء مزيد من الوقت مع أفراد العائلة أو الحاجة لتوفير رعاية لكبار السن من العائلة أو الأقارب. وفي الوقت الذي سيتقبل فيه كثير من المستخدمين تقليص ساعات العمل هذه بسعادة، فإن الاتفاقية تسمح لهم أيضاً بالعمل ساعات أكثر، إذا كانت لهم رغبة بذلك.
تأمل الشركات المتأثرة في أن هذا الحل سيوفر مرونة لمنتسبيها، ولكن تضمن في الوقت نفسه، أيضاً بقاء الانتاجية على نفس المعدل بدون تكاليف أعلى. حيث أن انتاجية العامل في ألمانيا مشهورة بكونها عالية.
في النهاية، رغم ذلك، فإن الرغبة المدهشة للأوربيين للكسب اقل مع مقدورهم بقضاء وقت راحة لفترة اطول قد يشكل تحدياً اقتصادياً كبيراً. ورغم أن اقتصاد ألمانيا معزز بشكل رئيس بالصادرات، فإن الانفاق الداخلي لايزال يشكّل جزءاً مهماً يعول عليه في الازدهار الاقتصادي الحالي للبلاد.
عن صحيفة واشنطن بوست، بقلم: ريك نواك