في بلد تتخلّف دولته عن تأمين الاحتياجات الرئيسة لمواطنيها، وعن رعاية المصالح العامة المتروكة فريسة للفاسدين والمفسدين ممّن يتولّون الادارة والقيادة، لا يمكن تصور أن يحظى الإعلام الوطني والثقافة الوطنية بأدنى اهتمام..
هذا هو الحاصل في بلادنا، فمؤسسات الإعلام والثقافة المنوطة بها مهمة تقديم المعرفة للناس، والارتقاء بمستوى وعيهم، والرقابة على عمل أجهزة الدولة ومؤسسات المجتمع، متروكة لمصيرها تكافح من أجل البقاء في بيئة تفتقر الى البنى التحتية الأساس، حيث الاقتصاد، العام والخاص، في حال أقرب الى حال الموات،ممّا يحول دون مساهمته في رفع المستوى المعيشي وحلّ المشكلات الاجتماعية الكبرى، وبخاصة الفقر والبطالة، وهو ما ينعكس سلباً أيضاً على الإقبال على الصحف ومجالات الخدمة الإعلامية الأخرى وعلى تنشيط حركة الإعلان التجاري الذي يُعدّ المصدر الأساس لتمويل الصحف ومؤسسات الإذاعة والتلفزيون في البلدان الديمقراطية والضامن لاستقلاليتها. حتى الإعلان الحكومي تراجعت حركته مع انخفاض أسعار النفط وارتفاع تكاليف الحرب ضد الارهاب بعد سقوط الموصل في 2014، فضلاً عن أنه كان دوما يُستثمر من جانب المتنفّذين في السلطة التنفيذية للابتزاز ومعاقبة الذين لا يصفقون للسلطان ولا يسبّحون بحمده.
مؤسسة"المدى"عانت من هذا على مدى سنوات، ما أرغمها على اتخاذ قرارات مؤلمة بإغلاق قناة المدى الفضائية وهي لم تزل وليدة، وتقليص خدمة الإذاعة، وأخيراً خفض عدد صفحات صحيفة"المدى"وكادرها التحريري والفني، على أمل التمكّن من مواصلة الكفاح من أجل البقاء.
ابتداء من هذا الاسبوع سيتقلّص عدد صفحات"المدى"مرة أخرى، الى ثماني صفحات يومياً، ويتوقف إصدار يوم السبت إضافة الى الجمعة، لكنّنا سنجعل من عدد الأحد، اعتباراً من اليوم، عدداً اسبوعياً باثنتي عشرة صفحة، كما سنُبقي على الملاحق الثلاثة:"ذاكرة عراقية"و"منارات"و"عراقيون"، ساعين الى التعويض برفع مستوى التحرير والكتابة.
ثمة عامل آخر وراء هذا القرار المتعلّق بالصحيفة هو التراجع في قراءة الصحف الورقية، والكتب أيضاً، في مجتمعنا وسائر المجتمعات، وهذا تحوّل الآن الى ظاهرة عالمية، فقد توقّفت العديد من الصحف الدولية المرموقة عن إصدار طبعاتها الورقية والتحوّل الى النسخة الالكترونية، ومن الواضح أن هذا يمثل اتجاهاً عالمياً للتحوّل الى الصحافة الالكترونية."المدى"ستشرع من الآن بتهيئة نفسها لمواكبة هذا الاتجاه، ففي غضون فترة قصيرة سيكون لديها موقع الكتروني أكثر تطوراً وفاعلية من الموقع الحالي الذي سنعمل لاحقاً على الانطلاق منه في عملية التحوّل الى صحيفة الكترونية.
"المدى"تثق بأن جمهور قرائها الكرام سيبقى سنداً لها في مواجهة الظرف الصعب الحالي من خلال تعزيز ثقافة الاشتراك بالمطبوع الصحفي، وهو ما يؤدي بالنتيجة الى دعم المطبوع واستمرار نشره، وهيئة التحرير على ثقة بأن قراء"المدى"لن يتخلوا عنها، مثلما لن تتخلى"المدى"عن محبيها سواء في الطبعة الورقية أو في مشروع المستقبل"النسخة الالكترونية".
رسالة المدى الى قرائها
[post-views]
نشر في: 3 فبراير, 2018: 06:12 م