كنتُ ومازلتُ معجباً بمقولة " الاستعماري " ونستون تشرشل، من أنّ هناك سياسيّاً يحجز له مكاناً في ذاكرة التاريخ، وهناك من يسعى بقدميه إلى غياهب النسيان، في الأيام الأولى لتولّي حيدر العبادي منصب رئيس الوزراء، كتبتُ في هذا المكان ممنّياً النفس أن تكون أولى خطوات العبادي متّجهة نحو الإصلاح والتغيير والتسامح.. وفي باب التعليقات كتب قارئ عزيز يخبرني بأنّ أمنياتي مثل أحلام العصافير. كنتُ مراهنًا نفسي على أنّ العبادي سيخلع "جلباب " حزب الدعوة، ويرتدي ثوب رجل الدولة، ويبدو أنني خسرت الرهان، مثل كلّ مرة أراهن فيها على مسؤول عراقي، وفاز القارئ العزيز، لأنه يعرف بأمور الدنيا أكثر منّي ومن ملايين العراقيين الذين تمنّوا أن يؤسِّس العبادي لنظام سياسي قضيّته الأولى العدالة الاجتماعية وبناء دولة المواطن، لا دولة الأحزاب والتحالفات.
وفي هذه الزاوية المتواصعة كنتُ بين الحين والآخر أُصدّع رؤوس القرّاء، بحديث عن رجال دولة تاريخيين، استطاعوا أن يصمدوا بوجه المغريات، فخلّدهم التاريخ بأن أبعد عنهم غبار النسيان.اليوم لايذكر اسم سنغافورة من دون لي كوان، كما لاتذكر جنوب إفريقيا من دون اسم مانديلا، وألمانيا من دون أديناور، كما لاتذكر أميركا بغير حضور اسم أبراهام لنكولن، الذي هو أحد رموز السلم والبناء والمحبّة.
عندما قررت ألمانيا أن تنهض من ركام الموت والخراب اقتضى الأمر وجود رجل دولة مثل كونراد أديناور العجوز الذي قاد ألمانيا وهو في سن الثالثة والسبعين وقد استطاع خلال سنوات قليلة أن يجعل من بلاده المهزومة، واحدة من أقوى اقتصاديات العالم.
يصنع التاريخ أولئك الرجال الذين خرجوا من طائفيتهم ومذهبيتهم الى فضاء أوسع، المتردّد لايصنع اللحظة التاريخية.لم يكن غاندي صاحب ائتلاف كبير مثل ائتلاف العبادي، ولا نادى بدولة القانون مثل المالكي، كان مجرّد رجل نحيل يرفض أن يخدع الناس بخطب التغيير والإصلاح.
توقّع العراقيّون أن ينجو العبادي بنفسه من فخّ الائتلافات التي دائما ما تقدّم الى الواجهة نفس الوجوه التي عاش معها المواطن العراقي أسوأ سنيّ حياته، لكنهم فوجئوا بأنّ الرجل في لحظة تشكيل تحالف انتخابي، التفتَ يميناً فوجد حسين الشهرستاني ويساراً ظهر عباس البياتي، وذهب باتجاه تيار الحكمة، وأخذ يستنجد بالمجلس الأعلى، ولم يكتف بذلك بل أثار حفيظة حنان الفتلاوي بأن " لطش " منها " تكنوقراط " من وزن منير حداد. وهكذا يصر العبادي على أن يقودنا إلى أنْ نسرق من جديد ويضحك علينا من جديد، على يد أحزاب وأشخاص جرّبناهم 14 عاماً.
العبادي ضدّ التغيير
[post-views]
نشر في: 30 يناير, 2018: 06:24 م
يحدث الآن
معرض العراق الدولي للكتاب: بوابة نحو التميز الثقافي والتضامن الإنساني
النفط يتصدر المشهد وتبدلات مفاجئة في ترتيب دوري نجوم العراق بعد الجولة الثامنة
العراق يُطلق منصة لتنظيم العمالة الأجنبية وتعزيز الرقابة الإلكترونية
العراق تحت قبضة الكتلة الباردة: أجواء جافة حتى الاثنين المقبل
ضبط طن مخدرات في الرصافة خلال 10 أشهر
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...